Pages

Wednesday, May 14, 2014

يحدث فى ذنوبيا



نعم يا سيدى أنا من مواطنى دولة ذنوبيا وحاصل على درجة الدكتوراه فى القانون من هذه الجامعة جامعة ذنوبيا الدولية فى العام الماضى
كانت هذه اجابتى للمدير المسئول عن ملفات الدارسين فى جامعة ذنوبيا الدولية قبل أن يرد اليه اتصال هاتفى قام على اثره منتبها من على مقعده وتاركا من بين يديه السجل الرسمى المعتمد للحاصلين على درجة الدكتوراة من الجامعة والشهادة الرسمية التى كان يشرع فى كتابتها لى والتى تفيد بحصولى على درجة الدكتوراه من الجامعة وهو يجيب المتصل بصوت مرتعش :
ــ تمام يا أفندم
ــ حاضر
ــ حاضر
ــ علم وينفذ سيادتك
ــ فى رعاية الله ... فى رعاية الله
ثم نظر الى باحتقار شديد ثم استدرك ذلك بابتسامة باهتة وهو يقول :
ــ اذا سمحت حضرتك تنتظر خمس دقائق .. هناك أمر مهم فقط سأهتم به وأعود لك على الفور .. اذا سمحت
ثم تناول السجل من على المكتب والشهادة التى يشرع فى تحريرها لى وخرج من الحجرة بهدوء متصنع
انتظرت فى الحجرة وأنا أتأمل جدرانها وصور زعماء ورؤساء ذنوبيا المعلقة على الحوائط مدندنا لحن النشيد الوطنى لذنوبيا فى حبور
وبعد برهة من الوقت دخل المدير المسئول متجهم الوجه وهو ينظر الى بذات نظرة الاحتقار السابقة ماسكا فى يده سجلا آخر وهو يقول :
ــ نعم .. حضرتك عايز ايه
أجبته فى هدوء :
ــ شهادة الدكتوراه التى طلبتها من حضرتك قبل قليل
أجابنى وصوته يرتفع بغضب :
ــ لا حول ولا قوة الا بالله .. أنت طلبت منى شئ .. أنا أول مرة أراك لو سمحت يا أستاذ هنا محل عمل .. ما الذى تريده
ذهلت فى أول الأمر ثم تماسكت نفسى وأنا أقول :
ــ يبدو أن هناك سوء فهم من جانبى ..أنا اسمى مخيمر السديد بعر وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ذنوبيا الدولية وأريد أن تحرر لى شهادة بذلك من هذه الجامعة جامعة ذنوبيا
نظر الى المدير المسئول بخبث وحذر متفحصا فى وجهى ثم أجاب :
ــ حاضر .. لنبحث أولا عن اسمك فى سجل الحاصلين على الدكتوراه
وفتح السجل الذى دخل به أمامى الى الحجرة وأخذ يبحث وهو ينظر الى من أسفل عويناته الطبية ثم أجاب :
ــ اسمك غير موجود يا سيد / مخيمر .. تفضل أنظر بنفسك
هتفت بانفعال :
ــ مستحيل .. أنا رأيت الاسم بنفسى قبل أن يرد لك ذلك الاتصال وتخرج من الغرفة حاملا السجل .. والله الع
قاطعنى قائلا بهدوء :
ــ بدون أن تحلف .. أنت ترى بنفسك هذا هو السجل وليس به اسمك ويمكنك أن تذهب لرئيس الجامعة أو أى جهة رسمية فى دولة ذنوبيا وحتى الاعلام .. يا ولدى هذه الأمور تحدث نادرا أينعم .. ولكنها تحدث
ثم أكمل حديثه وهو يبتسم ابتسامة شفقة :
ــ هناك خمسة جائوا قبلك وقالوا نفس كلامك .. الأول ثبت رسميا أنه مجنون .. والثانى كان شريكا فى مؤامرة على دولة ذنوبيا العظمى .. والثالث خرج من عندى ولم يعلم أهله أين هو الى الآن والرابع انتحر والعياذ بالله والخامس ثبت أنه كافر بالله
هل أنت كافر بالله يا ولدى .. استعذ بالله من الشيطان الرجيم وأقصر الشر
خرجت من الحجرة مسرعا وقد نويت معرفة كنه الأمر .. وذهبت الى مكتب رئيس الجامعة ولم يختلف الأمر كثيرا الا أنه بعد البحث أمر الحرس الجامعى بالقائى خارج حرم جامعة ذنوبيا الدولية
بعد أن احتضنت الأسفلت علمت أنه قد تقرر صنع الدنيئة وأنى لو تنازلت سيبدءون فى استئصال جزء وراء الآخر من حياتى حتى أختار حلا من الحلول الخمسة التى قالها لى المدير المسئول أو أنى لو لم أتنازل فسآخذ ذنوبيا كعب داير على كل المصالح ــ وهذا تحديدا المطلوب ــ لكى أكون زعيما لمؤامرة ولا أحصل على حقى وخلال الطريق أيضا سأخسر حياتى جزءا جزءا حتى أختار حلا من الحلول الخمسة وتكون ذنوبيا بريئة وطاهرة ونقية من أمثالى من الحشرات
قلت فلأخض أنا قبل أن ينالوا من عشيرتى ان وجدونى مستسلما فذهبت للمنزل لاخرج شهادة الدكتوراه من الصندوة الحديدى أسفل السرير وللأسف لم أجد الصندوق بكل محتوياته أسفل السرير فسألت عشيرتى فقالوا لم نر شئ ومنهم قال لى لا تسكت وهذا حرام وهؤلاء فسده ومنهم من قالت انتبه حتى لاتفقد حياتك وآخر قال تصرف يا أخى ولا تقعد مكتوف الأيدى وعوض الله عليك وعبارات من قبيل المواساه أو التحفيز والاستثارة .. وهكذا ذهبت الى السلطات الرسمية
جهة منهم استمعت لشكواى ثم قالت ماذا نفعل لك .. وأخرى قررت قيد الشكوى ادعاء واقعة لم تثبت صحتها وأخرى قررت تحرير دعاوى ازعاج للسلطات ضدى وأخيرا منهم من أراد اتهامى بالجنون والغريب فى الأمر أن جميعهم كانت تبدوا عليهم نظرات التعاطف أو الشفقة بين الناس والمتعاملين معهم كمن يريد أن يريك عظة تمشى فى الطريق
مما يجعلنى فى أحايين أتمنى أن أخرج لهم صوتا يخرج من عميق الصدر يستخدمه أبناء الطبقات الدنيا كدليل على الاستنكار ويدعى عندهم لفظة ( الش . رة ) ولكنى كنت ما دائما أستعيذ بالله وأمضى .
خفت الاتصال بوسائل الاعلام المحلية لذنوبيا فى بادئ الأمر الا أننى عرفت فيما بعد أن وسائل الاعلام المحلية والخارجية فى ذنوبيا أو خارجها لا يمكن الوصول اليها لأنها تحت سيطرة ادارة الكوكب كوكب (البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى ) وتلك الادارة هى من تضع السياسات العامة لدول الكوكب وقليل جدا من عاد من تلك الادارة لكى يخبر أبناء الكوكب عما يحدث هناك وظل حيا الى الآن .
بعد جولة الكعب الداير جلست فى مكانى أتابع كغيرى اعلام ذنوبيا المحلى واعلام كوكب (البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى ) متحملا مضايقات كل من هب ودب والاستفزاز الدائم الذى قد يصل ببعض الأشخاص الى الكفر أو ارتكاب الجرائم .. الذى كان يغيظنى هو أن كل من كان يقول كلمات المواساة أو التحفيز أو الاستثارة سواء من قريب أو من بعيد لم أجده بجانبى بالعكس كانوا يمارسون حياتهم بكل سهولة وسلاسة ويسر .. مرتدين قميصا براقا من المعاناة التى ــ على حد زعمهم ــ كنت سببا فيها يفتح لهم كل الأبواب المغلقة
وجاء اعلام زنوبيا ليقضى على ما تبقى من أمل .. كانت سيمفونية عجائبية التأليف :
يظهر فى قناة (السجق المدخن) عم عبده السمكرى القاطن فى شارع الخرابة الشرقية ويتحدث عن تكنولوجيا النانو وأنه حائز على دكتوراة من جامعة ذنوبيا الدولية فى نفس موضوع الدكتوراة الخاص بى .
وفى قناة (زغاليلو ياما ) تظهر أم سنية بائعة البرد اللف فى قرية المساطيل التحتانية .. وهى تتحدث فى السياسات التحتانية واللفيفة للدول الأعضاء فى كوكب (البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى ) وبكل فجاجة تقرر أنها من أوائل من أخد الزمالة والدكتوراة من ادارة جامعات الكوكب
ثم كانت النكبة حين كنت أشاهد مع بعض الأهل قناة ( صهيل الصاجات ) ويأتى الأستاذ زعزوع القصب الماسخ القاطن بمركز زلعة العسل المر والذى كان يعمل طبالا وراء الراقصة زكية نص جنيه العامشة فى الأفراح والموالد ليحدثنا عن الحسنات الخفية للتبرع والصدقات على المحتاجين والمرضى وذوى الاعاقات وفى فجور غير معهود من قبل وجدته يقول لمقدمة البرنامج :
هناك حالة انسانية يجب على ذوى القلوب الرحيمة مساعدتها مصابة بشلل وعجز ادى لحالة من الجنون المؤقت وهو المريض/ مخيمر السديد بعر نرجوا التبرع لهذه الحالة على حساب 02885776464
ولكم جزيل الشكر
هرعت للمطبخ وأنا ممسك بالمفتاح الانجليزى ومتجها نحوالتلفاز راغبا فى تحطيمه لولا أن منعنى من كانوا يشاهدون معى زعزوع القصب على القناة وأحدهم يقول :
ــ اهدأ ودعك من هذه السوداوية التى تمتلئ بها دائما وهذا الحقد على الناس .. وتعال لنكمل مشاهدة البرنامج
كانت هذه هى القشة التى قصمت ظهر البعير والعنزة التى أكلت كل الفطير .. نظرت مبهوتا اليه ثم أخذت بعضا من ملابسى وتركت البيت
....
كنت هائما على وجهى فى شوارع ذنوبيا وفنادقها مقتربا من حافة الورع والدروشة أو حافة الجنون لا أدرى تحديدا كل ما أتذكره أنه قد رن جرس الهاتف ولم يظهر رقم فرددت وكانت ادارة قناة( صهيل الصاجات)
وقد وردها أتصال يفيد بوجوب التسجيل معى .. فى بداية الأمر فرحت ثم سألت عن المكان وكيفية الذهاب والموعد المحدد للتسجيل
وبالفعل وصلت للمكان بسهولة وكانت الأمور ميسرة تماما فى كل شئ ودخلت القاعة رقم 40 المعدة للتصوير وذهلت حين وقع بصرى على ما بداخل القاعة
لحم .. ولحم .. ولحم عارى بكميات كبيرة .. نساء ورجال عرايا يمارسون الجنس بشبق وشهوة وأصوات عالية وعبارات غريبة وترانيم متتالية وممنهجة على نحو ما وكانت الكاميرات تصور
قال المسئول عن القاعة مخاطبا اياى :
ــ استعد لتخلع ملابسك وتحفظ نصوص الترانيم .. دورك كدور من فى القاعة .. أنتم تمارسون طقوسكم اليومية فى الديانة الجديدة
ــ هل فهمت
ولكنى كنت ما أزال ناظرا للقاعة فى ذهول
هزنى المسئول من كتفى فانتبهت ونظرت اليه وأنا أغادر مكان التصوير قائلا فى تتابع مستمر كشريط تسجيل تعطل وظل يكرر جملة واحدة :

ــ الحمد لله ... أعوذ بالله ... الحمد لله ... أعوذ بالله ... الحمد لله ... أعوذ بالله ... الحمد لله ... أعوذ بالله ... الحمد لله

Monday, May 12, 2014

ما قبل السجود الأخير


أنت وهى .. وحدكما .. فى ذلك الركن البعيد منحدر بشدة على النيل .. بينكما الصمت وإرتعاش رهبة المحاولة الأولى .. تخاف من الإقتراب .. تتردد كثيرا .. تحاول مد يديك ولكن إحساس غريب يتملكك أن هناك عيونا ترمق وآذانا تنصت من خلف الجدران ثم سريعا ما تدرك أنه لا جدران هنالك إلا جدار الرهبة
وهى لعوب لاتزال تحاول إستثارة غرائزك الفتية .. تستجمع ما تبقى من قوى قلبك الخائرة .. لفحات الهواء البارد تعطى للمشهد إيقاعا شيطانيا .. ترفع يدك وتقترب أكثر وأكثر .. تلامس شفتيك المرتعشة كيانها الرفيع وتستنشق نفسا عميقا و....مرحى ... مرحى .. الشياطين ترقص رقصتها الأولى على إيقاع لفحات الهواء البارد .. وتغوصا معا فى نشوة حلم خرافى ....
ذكرى الولد المدلل .. ويوم ميلاد الرجل
                              ********
يعرف أبوك .. ماتزال أصابعه تذكر لحم خدك الطرى بيوم العقاب
طردك من البيت .. لا يهم .. أنت معها وهى معك فلا يتبقى للعالم سوى الإستسلام
                             ********
يقولون :( إن الحب أنانية )
وأنت لم تحاول البحث عن معشوقة أخرى ... يجئ صديقك .. ينصحك .. يحاول إصلاحك بأبيك .. يرضخ الأب .. يستسلم لواقع الأمر لكنه ينتظر ميلادا ثانيا ليتخلص من عذابات ميلادك الأول
                            ********
ليل آخر يمضى .. ونهار آخر يعود
تفاجئك الحياة بقسوتها وجنونها الشبقى .. هى ليست محور العالم فعالمك سيدور بها أو بدونها .. هناك أشياء مهمة أخرى أيضا ..
تحاول الإبتعاد وكبت شهواتك الجامحة .. تتذكر كلمات أبيك :
ــ ألا يوجد إختبار آخر غير ذلك للرجولة ؟!
تبتعد فترة قليلة .. ولكنك تعود فماتزال تلك اللعينة تستثير غرائزك الشابة
                           *******
أما آن لأبى جهل أن يدرك حقيقة الأمر ؟!
تمر بك السنون وتدرك الآن أنها لم تحبك فى يوم من الأيام .. أنت الآن لم تعد فتيا وغرائزك العجوز قد إستسلمت للأمر وهى إمتزجت بالدماء فى شرايينك فأصبحتما متوحدان
                          *******
هل قدمت قرابين الولاء لمعشوقتك هذا المساء ؟!
تقسم أنك ستتوب وتتركها قريبا .. هى ليست إله لكى تسجد له حتى النزع الأخير.. تعيد القسم للجميع وتكرر أن سجودك سيكون لله ولن يكون لها سجودك الأخير .. لكنها لاتزال بصحبتك
                          ********

فى أسعد لحظاتك شهوة وأكثرها إنتشاءا .. تلامسها بشفتيك العجوزتين المرتعشتين .. تأخذ نفسا عميقا فيتوهج طرفها المشتعل ويدخل دخانها الى داخل صدرك ولا يخرج الدخان من الصدركالعادة .. وتسقط على ركبتيك ويديك ووجهك على الأرض فى وضع أقرب ما يكون الى وضع السجود .. وتسقط بجانب سيجارتك على الأرض قبل أن تتوب

Saturday, May 10, 2014

قبل أن يصل الأسير ( رواية )

           الجزء الأول 
  من أعلى نقطة من سماء العراق
                 

تحذير:/
هذه الرواية معتمده فى بناء تراكيبها اللغوية وبنائها السردى على الخيال وان تشابهت بعض الأماكن أو الشخصيات مع الواقع فان الكاتب يعتبره من قبيل المصادفة المحضة وأى شخص أو جهة أو مؤسسة يدعى مساس أحداث أو شخصيات الرواية له بأى صورة من الصور يقع فى مدى المسائلة القانونية والأدبية وفقا لقوانين حرية الابداع ونظام روما الأساسى وميثاق الأمم المتحدة للحقوق والحريات وقوانين البلدان الخاضعة لها بالاضافة الى المسائلة الأدبية والأخلاقية الحرة المستنيرة مع ملاحظة الصعوبة فى تطبيق تلك القوانين فى الواقع العملى.
3 ـ لا تعبر هذه الرواية عن السيرة الذاتية لكاتبها أو معاناته الشخصية أو طريقة ونظام سير حياته رغم وجود أحداث حقيقية فى الرواية مع الملاحظة أن الواقع ــ فى كثير من ألأحيان ــ أكثر قسوة من أن يتحمل القارئ عناء استيعابه .. والمعرفة لمن ابتغاها ـ فى أحايين ـ قد تكون ارثا من الجبال الشم يتعين عليه أن يجرها ورائه حيث يذهب .
رجـــــــــــــــاء :
استعيذوا بالله .. واستخلصوا مما كتب كل ما ثمن من المعرفة والحكمة والصلاح .. ان وجدتموه .. واطرحوا ما غث من الكتابة .. وما غث هو حظ نفس الكاتب أو ما ألقاه الشيطان .. وأعوذ بالله من نفسى وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.


                     الفصل الأول                    
                    عودة زياد                     
  

أن تكون دودة طعم حية ومعلقة فى طرف الشص ؟
هذا هو دورك الوحيد من أول السيرة وفى أوائل بدايات الدهشة والشغف ومستهل سيرة الورع والحزن .. لم يكن أحد يتوقع لدودة أن تلوث ماء البحر أو أن تأتى للصائد بسمك البحر دفعة واحدة لكى يضعه فى القفف طعاما للخلق .. تقسم أنك شهدت فى بدء الخلق وقلت (بلى).. حين قال الله الست بربكم ؟
هل تخيلتم كم هو صعب ومؤلم أن تكون دودة فى شص؟!
أن تنتزع عنوة من بين عشيرتك من الديدان ويتفحص جسدك الهزيل رجل ـ بالنسبة لدودة ـ يعتبر عملاق من العماليق وأنت تتلوى بين أصابعه فى كل اتجاه .. ثم يخترق جسدك سن حاد مدبب ويتركك حيا ميتا تبكى ألم الوخز والاختراق والوحدة وتلقى فى البحر تتفحصك الأسماك وتقلبك بمقدمة رأسها وفمها ولا تأكلك لأنها تعرف أنك رزق وطعام لأخرى .. ثم تنتظر وتنتظر وتختبر الخوف عند مقدم كل سمكة والألم فى كل ثانية والوحدة فيما يكون بعض عشيرتك منشغل بحالك وليس بك فدودة منهم ترثيك ودودة منهم تلعنك وأخرى تسبك ودودة تغزل الأساطير حول كونك وحياتك وتنتظر بطلا سوف يتخلص من الشص والأسماك ويقفز من البحر لكى يقتل الصائد ويخلص العشيرة وأغلب الديدان أما تفكر فى تتابع أحداث الزمن ونوائبه ونشوته ونزواته أو من كان ينظر للأبعد فسيفكر فى دور من سيلتهمه الشص ..ولا أحد منهم سيرغب فى تذكرك بمرور الوقت..
اذن لست بطلا فى سيرة .. كما أنه ليس هناك أبطال ـ من نظرى القاصرـ فى هذه السيرة .. لأنه لا ينسب لساكت قول .. هل أنت متهم بالشرك ان فعلت عملا ليس به شرك .. وان عملت عملا به شرك تركك الله وشركك .. وليس لك منحة الرد والتعقيب والنقض .. وتسأل فى سرك : هل ذلا فى العلن وشركا فى السر ؟
أم شركا فى العلن وذلا فى سر ؟
أم قدرا مقدرا ومكتوبا من الرب ولم يخالطه شئ من الشرك..؟!
اذن وان كان السؤال الأخير صحيحا فلماذا ؟!!!
لماذا تركهم الله والشرك ؟
وهل اذا سألت السؤال الأخير علنا ستعد آكل للحم أخيك .. أم قاذفا .. أم....؟!
وهل كونك اذ قد كتمت ما حاك فى صدرك وخشيت أن يضطلع عليه الناس .. تعد آثما ... ؟!
وما محل أعراب أسئلتك السابقة من الحياة يا غلام الشيب .. ويا شائب الغلمان ..؟! ..
لا تفكر يا شقى الرى .. فقط صل ما استطعت وأقرأ معى وتواصى وأصحابك ...[ والعصر * ان الانسان لفى خسر* الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] ..
هل أيقنت يا شقى الرى ؟! .. من ورد فقد ورد بأمره .. وليس كل ماء يصلح للشرب .. فلا تشرب دموعك .. ولا تتذوقها بلسان.. ليس كل من ذاق عرف ..
هل تذوقت دمع عينيك بقلبك من قبل فوجدته سائغا للشرب فما رضيت أن ترتوى وقلت ما أحلاه .. ما أحلاه .. الا أنه لله ؟!
هل عرفت .. وهل عرفت .. ؟!
هل عرفت .. ليس لك الا ما قد كتبه الله لك .. قطعت يد ظالم  أثكلتك .. وما لك .. لك ليس لك .. هو ما الله استودعك ..
هل علمت .. لو قدر الله لك الملك لجائك وأنت تأكل ملحا وكسرة خبز تحت ظل شجرة عند نهر السين فى بلاد لا توحد يا موحد يا عبد الواحد  .. ؟!
لو أجبت فقد كذبت .. فاعلموا جيدا يا من قيل أنكم طبتم.. واعلم يا أسير مالك النور والنار .. يا عبد فالق الاصباح .. أنك لست بزعيم حتى ان تركت المراء ولوكنت محقا .. ولست بطلا فى سيرة .. فليس هناك أبطال فى هذه السيرة ..هناك جهل ومعرفة وخوف من الجهل وخوف من المعرفة .. وهناك موت وحياه .. وعشق وملكوت ونساء وشهوات وأنياب وأنساب ومن يمكن أن يرى ..ليرى .. من فوق حجاب القلب .. دون أن يغشى عينه مرض قلب .. من أراد أن يرى .. ليرى .. لا يجب أن يكون عبدا للطريق .. ولا أن يمشى فى الطريق .. جل ما يطلبه الطريق هو قدرا من أثر ألانبياء .. أن يقبل الله منه صرفا وعدلا .. كى يملك ردا أو قبولا لما يراه .. من يرى قنبلة تلقى على معسكرات العدو .. ليس كمن ألقاها .. وليس كمن تلقى عليه .. وأثرها فى نفوس ذوى من صرعوا بها .. ليس كأثرها فى نفوس من ألقوها ..وليس كأثرها فى ذاكرة من رأوها عبر شاشات البلاهة أو سمعوها فى موجات ألأثير.. فى الحروب تهرب طقوس المعتاد يهرب منا شاى الصباح وافطاره يهرب ورد المساء وتهجده تحت أنغام القصف الشاذة عن المألوف .. هل يصلى فجرا فى جماعه؟
هل كنت أنا لأصلى فجرا فى جماعة؟
هل كان ليصلي (هو ) فجره فى جماعة قبل أن يذهب لموقع القنبلة التى ستلقى؟
أم سيخزن الزمن للحظات فى كاميرا شاقوليه وخفيفه لتترك أثرها فيما بعد فى ذاكرة من يراها .. ؟
ـــ كنت أهدى حزنا للناظرين
كان جوابه بسيطا وغامضا مختزلا مسيرة حياة بأكملها فى أربع كلمات.. جوابه لم يشبع شغفا بالمعرفة يحتوينى منذ أن رأيت وجه الهزيل وجسده الضامر كزيتونة رشقت بها خلة أسنان ووضعت كمقبلات على مائدة الطعام فى مطعم الفندق الذى ذهبنا اليه عقب خروجنا من المطار
كيف لرجل كزياد يخطو حثيثا للأربعين من العمر أنتقل خلالها كمصور فى أكثر الأقطار سخونة فى العالم من البوسنه لأفغانستان مرورا بالعراق يلخص معاناة شعوبا وأمما وأفرادا بهذه الكلمات القليلة الخالية من أى شغف .. مما جعلنى أتفحص ملامح وجهه فى فضول لأرى تضاريس الزمن وتقلباته ومراثيه قد حفرت أخاديدا من الحزن فوق وجه قلما كان يأتينا متشحا بالعبوث .. شغلنى حزنه الخاص الذى ألبس عباراته ثوبا أنيقا مفرغا من نرجسية ألأنا مما جعلنى أسأل عن خاصته مستفهما
عن زوجته ريم
أجابنى وشئ من الابتسام يتسلل لوجناته
ـــ ريم أخذت أجازة من الجورنال وستأتى من بيروت هى وشادى فى طائرة السابعة مساءا.. لا تتصور كيف أننى أشتهيها وأشتهى رؤيته لقد أصبح يرتاد المدرسة هذا العام ويستطيع أن يكتب ويقرأ حروف العربية والأنجليزية أيضا .. كم أود أن أحيا لأراه يكبر سريعا كى أهديه الكتب أن أقرأ معه وأناقشه .. ،نظر الى متسائلا ــ هل تتصور أن يصبح أديبا أو صحفيا فى يوما ما ؟
أجبت بحنو
ــ دع الأمور تجرى فى أعنتها يا زياد أنت تركت له فى كل مدينة أهل وفى كل مكان صديق وفى كل كتاب سطرا منسيا لم يكتبه كاتبه وسيكبر ان شاء الله ليكمل معك ذلك السطر ..
ثم أردفت مداعبا :
ـــ ثم هل تذكرت صاحبك بكتاب ليقرأه ويكمل سطره الناقص معك أم تراك نسيت ؟؟
ضحك لأول مرة ثم أجاب
ــ أحضرت لك مجموعة أعمال من اصدارات وزارة الثقافة العراقية قبل أن تحرقها قوات الأحتلال ..
أنحنى نحو أحد الحقائب ليرفعها ووضعها على المائدة وفتحها وأخرج منها مجموعة صغيرة من الكتب ملفوفة بشريط أنيق وأردف قائلا:
ــ بين يديك الآن ثروة .. لا أحد يعلم ألآن ان كان كتاب هذه الأعمال أحياء أم ماتوا من جراء القصف والقتل والتخريب كما
أنه لايوجد الآن ما يثبت نسبة هذه الأعمال لأصحابها بعد اتلاف دار الوثائق والمعارف وديوان الثقافة .. أحفظهم جيدا فقد يأتى يوم ونرى فيه لصا أعجميا أو أجنبيا أو من أى ملة ويدعى أنها أعماله أو يترجمها ويدعى تأليفها ونسبتها اليه
ثم بدأ الغضب يعلو وجهه وتهتز تقاسيم وجهه ونبرة صوته كمن يخاف من شئ أو كل شئ وهو يقول:
ــ أنت لا تعلم .. وصمت لثانيتين .. ثم قال:
ـــ ولا أريدك أن تعلم .. أنت متهور ولا تدرك خطورة الحديث فى هذه الأمور فوق أى أرض وتحت أى سماء.... أولاد الكلب دول وفرادى .. يعملوا أى شئ .. أى شئ.. المجوس والكفرة وعباد الأصنام لهم عهود أكثر وأوثق منهم .. وعندهم بعض الانسانية الباقية فى نفوسهم..
قاطعته محاولا تخفيف نبرة الحدة فى صوته :
اهدأ يا زياد .. أنت دائما ما تضخم الأمور وتعطيها أكبر من حجمها الطبيعى .. لا تنسى يا أخى أننا أمة المليار .. أنت فقط مشبع بما رأيته فى حياتك من فجائع لم يكن لك يد فى حدوثها ولم تكن تستطيع منعها فهدأ من روعك يا أخى .. فأنت الآن بين أهلك وعشيرتك وفى أحضان وطنك ..
أبتسم زياد ابتسامة المستهزئ الموجوع وأردف قائلا :
وما هو الوطن فى نظرك يا محمد .. أرض .. أهل .. ذكريات ..ناس .. حكومات
أعتذر لك يا محمد .. ان الوطن عندى ليس كذلك .. الأرض ملك الله يمر عليها من يمر ويحىى فيها من يحيي ولا يملك أن يأخذ منها بعد موته أو اذا طرد منها حفنة من التراب .. لمن بقت الأرض مر عليها فراعنه و رومان و فرنسيين وانجليز و أتراك و ألبان و مسلمون و مسيحيون و يهود و كفرة و.. و.. و.. 
ولم يأخذوا شئ ولم تسمى بأسمائهم ألا قليلا قلايلا كجرح فى وجنة الوطن يلتئم بمرور الزمن ينظر اليه كل من يعبر من عليه ورويدا رويدا .. زمنا فزمنا يبدأ فى الاختفاء والالتئام .. أنا راحل وأنت أيضا ولن أكون سعيدا بالقدر المطلوب حين أمرغ وجهى فى تراب الوطن كما يقولون..
أهل يا محمد .. قابيل قتل هابيل عند مفتتح الشهوة ولعنة شيطان الغضب والحقد .. نحن ضعاف يامحمد حتى أمام نزواتنا .. حتى أمام أنفسنا .. قليلا من أفلح .. قليلا من زكى نفسه .. قليلا يا محمد .. نحن أقل بقليل من أنفس أهلنا عند أول منعطف
ذكريات .. القلب أضعف من أن يطرق علي موضع الذكريات فيه بأزميل لكى تكون أكثر وضوحا .. ترى يا محمد لو أننى سببتك وضاجعت أمرأتك تحت دافع الرغبة وضبطتنى بالفعل السابق .. هل ستبقى بيننا ذكرى وحيده حتى لو حزينة .. أؤكد لك أنك كلما يمر بحياتك موقف مشابه لما جمعنا معا فى يوم ما سوف تلعن تلك الذكرى التى جمعتنى بك .. الذكريات لنا أن استدعيناها راغبين .. وعلينا ان تطفلت على حاضرنا ونحن معرضين .. أؤكد أن خدوش الذكريات بالقلب لن تحتمل الطرق بازميل الحياة .. قلوبنا ضعيفة يا محمد أضعف مما نعتقد ونوقن .. لسنا ملائكة يا محمد .. لسنا ملائكة .
حكومات..ناس .. هل أحكى لك عن الحكومات أم الناس .. يقين الشعوب يخاف أن يحصى عدد قتلى حكوماته .. يقينهم عدم يا محمد أنظر الى حكومات العالم عبر التاريخ وأنظر الى قتلاهم ... دماء .. دماء.. دماء.. دماء غسلت وجوه الأوطان وتشربتها الأرض وأرتوت بدماء أبنائها وأخرجت الأرض نبات وثمرا أرتوى من الدماء .. وبكل لذة واستمتاع أكلنا نحن ثمرها .. ابن آدم استمر فى القتل لأنه أكل من حصاد دم أخيه ..واستمتع بالمذاق .. ومن ذاق عرف يامحمد .. وعاد ليأكل من الشجرة مرة أخرى ..
أقول لك بصدق : ان وطنى فى قلبى أحمله معى حيث أرتحل .. أجالسه مع من أريد وأمنعه عمن أريد .. وطنى داخلى .. لايسلبه منى بشر .. ولا يبعده عنى ترحال .. ولا تغتاله ذكرى .. نحن الأوطان يامحمد مهما حاولوا أقصائنا عن أوطاننا..
لم أستطع أن أعطى ردا على هذا القدر الكبير من الأسى الشفيف .. أغتالتنى كلمات زياد فأعجزتنى عن النطق وجعلتنى غير قادر على تحويل مسار الحوار أو مجاراته فلسفيا فلم يكن لى الا أن أعقب على كلامه قائلا :
قد يكون معك حق فى ما قلته يا زياد
قاطعنى النادل وهو يأتى ناحية طاولتنا قائلا ببشاشة:
مساء الخير يا زياد بك .. ادارة الفندق تتمنى لك اقامة سعيدة فى الفندق وتهنئك وكل العاملين بعودتك سالما الى أرض الوطن .. هل تأمرنى بأى شئ أقدمه لك فى الوقت الحالى ..
أجاب بهدوء:
لا.. شكرا
أردف النادل قائلا:
نحب أن نعلمك أن الحقائب قد تم وضعها فى غرفة سيادتكم .. فهل تأمر بأى شئ آخر ..
ــ شكرا .. اذا أردت شئ فسوف أعلمكم به
ردد النادل عبارة " نحن فى خدمتك دائما ومرحبا بعودتك سالما الى أرض وطنك" وانصرف بعيدا عن الطاوله فنظرت الى زياد ضاحكا وأنا أردد عبارة النادل " مرحبا بعودتك سالما الى أرض وطنك يا زياد" ..
بادلنى الضحك رغم أنى قد لاحظت بين عينيه نوع من الحسرة والحزن الذى لا يخفى على شخص مثلى عرف زياد أكثر من أى شخص آخر الا أننى استمررت فى الحديث غير متطرق للأسباب الحقيقية والتفاصيل المكونة لذلك الحزن فتكلمنا بصورة سطحية عن ألأحوال والبلاد والثورات وحال زوجته وابنه وأخبار الأدب والأدباء وأفضل الأعمال الأدبية على الساحة .. واتفقت معه على أن أمر عليه صباح باكر لكى نذهب الى المطار لاستقبال ريم وشادى .. كان زياد قد مرر لى مذكراته التى قد كتبها خلال الأعوام التى قضاها بعيدا عن البلاد فى أجندتان ورقيتان وأنا أوصله الى غرفته بالفندق وهو يخبرنى قائلا أنه يريد منى أن أحتفظ بتلك المذكرات الى حين أن يطلبها منى وأنها ليست أسرار أن أردت أن أقرأها فلا حرج عنده فى ذلك .. تعانقنا بشوق عدد سنين غربة كان زوالها فى نظرى تربيته على أكتاف البعد .. وأخذت حصيلتى من الكتب والمذكرات والشوق والحب والفرح والحنين واستقللت السيارة عائدا الى المنزل أسترجع تفاصيل اللقاء فى مخيلتى بشوق الى أن وصلت للمنزل
                    *********************
              فاصل زمنى غير محدد الزمن
ــ وصل ركب ثلاثتنا الى تلكم الأرض بعد سفر قطعناه فى سنين عدة بحثا عنك .
هكذا قال صاحب الركب .. فأجابه الشيخ بهدوء:
ــ وهل أنا بمطلوب .. ضعف الطالب والمطلوب
قال صاحب الركب للشيخ :
ــ علمنا بأنك صاحب علم فجئنا لنطلب العلم
فأجاب الشيخ :
ــ وفوق كل ذى علم عليم .. انما الهدى هدى الله يهدى به من يشاء.
قال صاحب الركب :
ــ فهل ستعلمنا مما أفاض الله عليك من العلم يا أيها الكريم
أجاب الشيخ :
ــ  متى أنتم ..؟
تسائل صاحب الركب مستفهما :
ــ أعتذر أنى لم أفهم السؤال يا أيها الشيخ الجليل.. هل تقصد من أين أنتم.. ؟ أم من متى أنتم فى ذلك السفر..؟  أم ماذا..؟؟
رد الشيخ بحده:
ــ ومالى بأرضك .. ومالى بارتحالك وسفرك .. فسيحوا فى الأرض .. أو اتخذوا منها مستقرا لكم .. الله يدبر الأمر ويختار .. فأجبنى ان كنت تعلم .. متى أنتم ..؟!
أجاب صاحب الركب وهو يكظم الغضب :
ــ والله لو كنا نعلم قصدك .. ما كتمنا عنك ردا .. فاغفر لنا جهلنا
تبسم الشيخ وقال :
ــ ومن أنا لأغفر ان الله هو الغفار الحليم .. يا غلام هل تعلم أين أنت؟
أجاب صاحب الركب :
ــ نحن عند مجمع البحرين
فرد الشيخ :
ــ ومالى والأرض .. الأرض أرض الله يورثها من يشاء .. يا غلام أقول لك أين أنت فان كنت تعلم فأجبنى ..؟!
 ًصمت صاحب الركب قليلا ونظر لصاحبيه فأعرضا عن معرفة جواب فقال للشيخ :
ــ والله لا أعلم جوابا .. يا أيها الشيخ ان أردت أن تكرمنا فأكرمنا ثوابا لله .. وأن لم ترد أكرامنا فوالله لن تجدنا قوما جاحدين .
أجاب الشيخ مخاطبا الجميع :
ــ اصحبونى ثلاث سنين .. لأرى فيها ان كنتم من القوم الذين يهدى اليهم العلم .. أوانتظروا الى أن يحين أجل الكتاب
رد صاحب الركب فرحا :
ــ ستجدنا ان شاء الله قوما صالحين
قال الشيخ لهم:
ــ انصبوا خيامكم .. وسيقوم ولدى باحضار الطعام لكم .. واستريحوا بعدها من وعثاء سفركم الى أن أطلبكم
ودخل خبائه وتركهم الى أجل هم بالغيه