الفصل الثانى
يا
مَجَاز / هل مازلت تحلم بالطريق ..؟!
يد الى الصعود
يد الى الهبوط ..
بينهما حرب الرؤى القديمة
وشاعر يهذى بلا تميمة ....*
قلت مناديا إياه :
يا مجاز ... كر .. كر يا مجاز
قال : الله مولاى والعبد لا يتولى غير مواليه فإنما خلق
للرعى والتسبيح والعبادة ولا يصلح للكر والفر
قلت : يا مجاز كر وأنت حر
قال : إذا صَلح الطالب وحق السبب كنت له خير من يكر
قلت مهددا : إن لم تكر لأمثلن بك ولآتينك بملء قراب
الأرض عذابا وسوءا وضرا
قال : إذن ليقضى الله أمرا كان مفعولا
صحوت من تلك الغفوة التى فاجئتنى حال دخولى للشقة ولم
يكن الوقت قد تأخر بعد كان المساء فى أوله .. حاولت أن أتأمل فى معنى ما رأيت فى
منامى حال غفوتى ولكنى استعذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت فى سرى اللهم ارحم
مجاز فأنت أعلم أهل الأرض بحاله , ورغم شعورى بشئ من الشجن الا أنه كان عندى رغبة
فى تناسى هذا الأمر والغريب
أن المساء كان يشف عما بداخله وبداخلى من الشجن , كان
الشارع هادئا على غير عادته فى مساءات الثلاث سنوات الفائتة ورغم ذلك كنت أشعر
بتسرب شئ من الصداع مصحوب بالأرق الى رأسى العجوز .. وضعت لفافات الكتب والمذكرات
التى أهدانيها زياد على منضدة الصالون وأنا أنظر اليها فى شغف وفضول متسائلا بينى
وبين نفسى عما يمكن أن تحويه ومسترجعا فى ذهنى تكوين ثقافة زياد وحياته الطويلة
نسبيا متسائلا وأنا أمدد يدى الى لفافة الكتب :
ترى ما الذى أخترته يا زياد.. أعتقد أنى سأرى هدايا قيمة
نزعت شريط اللفافة بهدوء ثم نزعت ورق التغليف وبدأت فى
التطلع الى الكتب كانت مجموعة من الكتب ما بين الرواية والشعر وتاريخ العراق
والتراث الدينى والفقه .. كلها من مطبوعات وزارة الثقافة والاعلام العراقية ..
وأخذت أقرأ العناوين :
ــ أنا صحوت من الطفولة.. لا تصح أنت أبدا ..عبد المطلب
محمود .. شعر*
ــ ثقيف تبحث فيك عن خلاصها .. عبد المطلب محمود .. شعر*
ــ وردة البحر .. كمال سبتى .. شعر*
ــ سيدى أيها البحر .. على جعفر العلاق ... شعر*
ــ العزف فى مكان صاخب .. على خيون .. رواية*
ــ موسوعة تاريخ العراق .. ثلاث مجلدات .. صهيب شاكر ..
تاريخ*
ــ الراسخون فى العلم .. مختارات مما أشكل فيه من مسائل
الفقه .. مجلدان .. أعلام فقهاء أهل العراق*
ــ النول/ الحريق/...../ .. ثلاث كتب .. محمد ديب ..
رواية*
تأملت الأسماء عاصرا ذهنى كان بعض الكتاب ممن هو معروف
اعلاميا على الساحة الأدبية كالروائى محمد ديب والكاتب صهيب شاكر الا أن باقى
الكتاب لم أك قد سمعت عنهم من قبل الا أنه من الممكن أن تكون هذه الأسماء قد ترددت
فى الأوساط الأدبية لأكثر من كاتب وكل من يحتك بالأدب بصورة فعلية يعرف أغلب
الأدباء الحقيقيين على الساحة الأدبية سواء من كتاب القصة أو الرواية أو الشعر أو
حتى من الكتاب الصحفيين الذين لا علاقة لهم بالأدب .. هذا مما جعلنى أبتسم لصواب تخمينى فزياد لم يكن
ليختار تلك الكتب بعشوائية قارئ مبتدئ أو من فراغ .. كل كتاب من هذه الكتب له
قيمته الخاصه لدى كاتبه ولدى من يعرف قيمة الأدب والأدباء.. وهذا ما جعلنى أنوى
قراءة هذه الكتب فى أقرب وقت .. متى أتاح لى الله السبيل الى قرآءتها .
نحيت الكتب جانبا وأمسكت بالمذكرات .. أخذت ألقى نظرة
سريعة على شكلهما العام .. كانتا مكتوبتان بخط اليد وبصورة غير متقنة كأن الكاتب
يكتب على عجالة من أمره وفى صورة يوميات مؤرخة ميلاديا .. كتب فى أول صفحة من
الأجندة الأولى بخط يد زياد :
ــ ( فودكا .. بوسنة .. روم .. وداعا حبيبى ) مذكرات
ثم بخط أصغر قليلا كتب التالى :
كتبت أنا زياد علام تلك المذكرات أثناء فترة عملى فى
منطقة البوسنة فى الفترة من (.......................) وهى تشكل بعض الأحداث
الهامة أو التى أثرت فى على المستوى المهنى أو الانسانى وهى مذكرات لا تعبر
بالضرورة عن الصورة الكاملة لما كان يحدث .
برجاء فى حالة العثور عليها ــ حال فقدها ــ ارسالها الى
السيدة / ريم حنا بطرس ـ الصحفية فى جريدة (....) لبنان ـ بيروت ـ شارع (...)
عمارة 9 الدور الخامس / أو الى
السيد / محمد رضوان سعد ــ محام حرــ مصرـ ميدان حلمية
الزيتون ــ شارع عنانى ـ عمارة 27 الدور الثالث.
وكتب فى أول صفحة من الأجندة الثانية نفس العبارات
السابقة مع تغيير مكان عملة (فى العراق) وتوقيت العمل فى الفترة ( من
............).*
مررت يدى ما بين خصلات شعرى وعلى وجهى وعيني لكى أزيل
آثار الصداع الذى أوشك على مهاجمتى .. وقررت الشروع فى قرآءة المذكرات .. فأمسكت
الأجندة الثانية متأملاً لثوان ثم فتحتها على الصفحة الأخيرة تحديداً وشرعت فى
قرآءة تلك الصفحة فكان نصها كما كتب زياد كالتالى :
( كان قرار رحيلى عن العراق قراراً حتمياً تدخلت فيه عدة
عوامل مركبة كان محتماً علىَ شرحها حتى ولو كان ذلك لنفسى فقط لكى أقنعها بصحة
يقينى أن الأمر أكبر من ألأفراد المجردة وعملى كمراسل صحفى لن يخدم أى قضية ولن
ينقل صورة حقيقية لما يحدث هنا طالما أن هناك من يتحكم فيما رأيته بأم عينى وسمعته
بكلتا أذناى وينقله للناس كيفما يشاء
ما أسره لى محمود برجى أنه أصبح على يقين أن القيادة غير
المباشرة كانت تعطى تعليمات بإحكام السيطرة والقبض على جماعات وهمية لا توجد إلا
فى مخيلتها فقط وانتقال تلك المطاردات تدريجياً من منطقة إلى منطقة ومن قطاع إلى
قطاع فى إتجاه الدول المجاورة وهذا ما يؤكد له أن الخطوة التالية للقيادة ستكون
مطالبة دول الجوار بتسليم أولئك المتسللين إليها وإلا فإنها ستكون داعمة للإرهاب
والجماعات المخربة المحظورة .. هذا وأكثر مما قاله محمود لقد أصبحت أنا زياد
كمراسل صحفى وكإنسان فى الأول والأخير على يقين تام أننى كنت أتابع صندوقاً من
الدمى المعلقة من الخيوط تحركها أصابع وأيدى خارجية لغير صالح استقرار وأمن
أوطاننا وعقيدتنا القويمة .
أستعد الآن للخروج من المنزل مستقلاً الطائرة عائداً مرة
أخرى وربما أخيرة إلى أرض مصر .
منتصف ديسمبر2011 )
تأملت وقت ليس بالقصير فيما كتبه زياد أعلاه وأنا فى
أعلى درجات الإندهاش ثم هززت رأسى كى أستفيق وقمت بعد أن وضعت ألأجندة الثانية على
المنضدة .. وأخذت الكتب والأجندة الأولى ووضعت الكتب فى مكتبتى الخاصة بجوار بعضهم
البعض لم أجد مكانا خاليا إلا فى الرف الخاص بالعسكريين فاضطررت أن أضع كتب العراق
بجوار ما كتبه العسكريون وما كتب عن الحروب والقتال والرتب العسكريه وكأن المفارقة
أن تهرب تلك الكتب من جحيم حرب لتوضع بجوار أدب الحروب والرتب العسكرية , وضعتها
بجوار أعمال حمدى البطران تحديدا هامسا للكتب فى شبه إبتسامه حافظوا جيدا على
إخوانكم من كتب العراق , ثم وضعت الأجندة
الأولى فى درج مكتبى الخاص وأغلقته بالمفتاح .. وقررت صناعة فنجان من القهوة لكى
أبدأ فى قرآءة جزء من المذكرات قبل أن أخلد للنوم وذهبت للمطبخ وشرعت فى اعداد
القهوة ثم جاء جرس باب المنزل ليخبرنى أنه هنالك زائر جديد يريد أن يلقى عليك تحية
المساء
فذهبت صوب الباب وفتحته فأذا ب(مجاز) يبتسم لى ابتسامته
الودودة قائلا: السلام عليكم يا أستاذ محمد .. وأضاف مداعبا :
مررت على الديار
ديار كرم ... فأحضرنى الحنين الى الديار*
نظرت اليه نظرة المندهش فقد وجدت وجهه على غير العادة
حليق اللحية فأردفت متمتما وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. كيف حالك يا مجاز
.. مشيرا الى لحيته الحليقة مستفهما ومتعجبا قلت :
ــ خير .. ما الذى حصل ؟!
قال: وهل سنتكلم على الباب أم ستدعونى للدخول ؟
قلت : أنت تعلم أن هذا مكانك رغم أى ظرف.. تفضل..تفضل
دخل مجاز وأجلسته بالصالون وقلت له وأنا أتجه للمطبخ :
ــ سأعمل لك فنجالا من القهوة فأنا أعمل واحدا لى
فقال : خير ما تعمل يا أستاذ محمد
صنعت فنجالين القهوة واتجهت الى الصالون وجلست قبالة
مجاز وجلسنا نرتشف القهوة فى هدوء وصمت حتى طالت فترة الصمت فقطعتها متسائلا بوضوح
:
ــ لماذا حلقت لحيتك يا مجاز ؟!
أجابنى : أنت تعلم يا أستاذ محمد أنا كنت رجل مسئول سابق
.. وعقب خروجى من عملى تكون على رقابة شديدة .. وبصراحة .. لا أحب أنا أكون منسوبا
لأحد أو أن يكون منسوبا الى أحد .. فيؤخذ بجريرتى أو أؤخذ بجريرته .. أو تثار
حولنا أقاويل .. وأنت تعلم أن بلدنا هى أم الأقاويل والافتراءات ..وأعوذ بالله أن
أقترف سوءا أو أجره على غيرى .
صمت قليلا ثم أمنت على كلامه قائلا :
قد يكون معك الحق يا مجاز أنت أدرى منى بطبيعة عملك
السابق ومتطلباته ..
مغيرا مسار حديثى سألته مستفهما :
ما أخبار بحوثك العلمية يا رجل هل وصلت لنتيجة أو علاج
أم ليس مقدرا لنا أن نفرح بك فى القريب؟
أجابنى فى صدق :
ــ هناك نتائج مبشرة .. لكنك تعرف أن التطبيق العملى
يختلف تماما وكلية عن البحوث النظرية .. وخصوصا فى الفيروسات السرطانية والخلايا
الجذعية والايدز .. وتحتاج الى مجهودات جبارة لمجرد الحصول على فقط الموافقة
لتجربتها على المرضى أو حتى الحصول على عينة من تلك الفيروسات لعمل مزرعة تحاليل
عليها .. وأسئلة وأستفسارات وأوراق وأطباء متخصصين ومشرفين على البحوث .. وفى
النهاية حتى اذا تم الوصول لنتيجة ستنسب اليهم لأنهم أصحاب الخبرة والتخصص .. فكيف
لشخص ــ مثلى ــ كانت أغلب حياته متصله بالعنف والحركة ولا علاقة لها بالعلم بصورة
مباشرة يحاول مجرد المحاولة ادعاءا بعلم أو معرفة أوحتى ثقافة ... وحتى لو فرض ذلك
.. هناك اتفاقات دولية تحتم اطلاع جهات أجنبية على أغلب تلك البحوث والتى فى
النهاية من المحتمل بنسبة كبيرة أن ينسب العلاج لأجنبى أيضا .. وأن يتهموننى
بالجنون اذا ادعيت أوحاولت اثبات ملكيتى وجهدى .. كالعادة .. الأفضل أن أصمت فى
الوقت الحالى وأكتفى بالبحث النظرى الى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا .. وييسر لى
الأمور.
قلت مستغربا :
ــ لكن الأمور تغيرت كثيرا فى الوقت الحالى
أجاب شارحا الأمر :
ــ يا أستاذ محمد أغلب بلدان العالم دخلت فى منظمة الأمم
المتحدة منذ عقود وتخضع لميثاق روما
الأساسى وما تلاه من اتفاقيات تعاون بين الدول ورقابة واشراف عليها وعلى كل
الأجهزة والادارات مرورا بالقضاء والجيوش والتعليم والصحة والبحث العلمى والخ الخ
ولا يوجد جهاز أو مؤسسة لا يخضع لذلك الاشراف ويتحتم عليه أن يرسل تقارير بآداء
عملة لجهة الاشراف ويستقبل المفتشين الدوليين أو توفر لهم الحكومات الخاصة بالدول
الحماية والعون فى حالة الاقامة الدائمة داخل الدولة هذا بالاضافة الى اتفاقيات
التعاون المشترك بين الدول كالاتفاقيات بين مصر واسرائيل ومصر وسوريا والسودان
وغيرها من الدول ومنها ما يبيح الاطلاع على الابحاث والمستندات أو التدخل والاشراف
الحتمى فى حالة وجود أى أمر يقوض استمرار عملية السلام بين البلدين أو يهدد السلام
العالمى
قاطعته قائلا :
ــ ولكن عملية السلام الآن أصبحت ممزقة ومهترئة
أجابنى موضحا :
ــ هذا ما تطرحه وسائل الاعلام وينشر فى الوعى الجمعى
للمواطنين لكن الأمر أكثر بساطة وتعقيدا من ذلك
سألته :
وكيف ذلك..؟
قال لى :
سأضرب لك مثال .. هل تعلم بالواقعة التى جآئت فى وسائل
الاعلام وتناقلتها الجرائد عن الوفد الاسرائيلى الذى أراد أن يضطلع على البحوث
والتجارب التى يتم اجرائها فى أكاديمية البحوث داخل مصر لأنه كان يريد تطبيق بنود
اتفاق السلام وتم السماح له بذلك
أجبت :
ــ نعم أعلم ... كانت الأخبار فى كل مكان
تابع الحديث قائلا :
ــ لم يكن الأمر فقط يقتصر على ذلك فقد تناهى لعلم البعض
أن هؤلاء المشرفين والمراقبين بل وبعض القادة العسكريين دخلوا أماكن حساسة داخل
الدولة لا يمكن الوصول اليها بسهولة ومجرد ذكر أسمائها أو الاشارة اليها يؤدى الى
الاخلال بالأمن القومى وزعزعة الثقة فى تلك المؤسسات لدى الأفراد والتجرأ عليها بل
من الممكن تدمير تلك الثقة تدميرا تاما خاصة اذا ما كان بعض العاملين والمتعاملين
فيها ومعها والمتكلمين باسمها ومنفذى سياساتها أساس علاقتهم بها هو فكرة الوطنية
قلت فى هدوء :
ــ وما الجديد فى ذلك لقد طرح الأمر فى الاعلام وقتل
بحثا وطرحا على كل الأصعدة ؟!
تابع قائلا :
ــ وكان دخولهم بسبب الحفاظ على أستمرار عملية السلام
داخل الشرق الأوسط
قلت وما تزال الهدوء مخيما على :
ــ هذه الأمور تحدث دائما وفى كل وقت وفى عهد كل الرؤساء
وطرحت أيضا فى وسائل الاعلام
نظر الى مندهشا وهو يقول :
ــ كنت أعتقد أنك ستأخذ الموضوع ببعض الحمية خاصة وأن
الأمور أصبحت مستهلكة الى ذلك الحد بين العامة وفى الاعلام على السواء
هنا قفزت فى هذه اللحظة قائلا :
ــ وهنا كان يجب البحث عن حصان طرواده الذى يختبئ داخله
الجنود
وحال دخولهم المدينة هم بالخيار اما أن يقتلوا واما أن
يعفوا عن الأسرى
سألنى مستفهما :
ــ ما علاقة حصان طروادة بالأمر ؟
وهل هؤلاء الجنود هم الاسرائيليون أم المصريون ..؟
ضحكت ساخرا من جهله بصوت عال ثم قلت :
ــ لا تشغل بالك .. هى أمور خاصة الثقافة فقد جائتنى
فكرة نص أدبى جديد .. ثم أردفت متأملا بصوت منخفض .. المهم ألا يموت أخيل يصيب
السهم كعبه فقط لينزف ولا يحارب ويرث الجميع درعه وسيفه
نظر الى متعجبا وهو يقول :
ــ أنا لا أفهم منك شئ .. أحدثك فى أخطر الأمور وأنت
تضحك وتتكلم بأشياء غير مفهومة
وجدت نفسى هامسا أحدث نفسى :
ــ الا بحبل من الله وحبل من الناس
ثم متحسرا ابتسمت له ولطموحه الشاب وقلت :
ــ افعل ما تراه الصواب يا ولدى عسى الله أن ييسر كل
عسير.. المهم أن تظل دائما بخير وسلامة.
قال مجاز :
لكنى لم آت اليك لأتكلم فى ذلك الموضوع .. هناك أمر آخر
أريد أن أقصه عليك .. لقد رأيت رؤيا جديدة بالأمس بالمنام .. وقد تعلمنا من النبى
(صلى الله عليه وسلم) ألا نخبر بها الا من نحبه *.. وأنا أحبك .
قلت وأنا أبتسم :
خير .. ان شاء الله خير .. قل يا مجاز
نظر الى فى اهتمام وجدية وبدأ فى اخبار رؤياه وقال :
ــ كنت كأننى عائدا من سفر طويل وشارعا فى الدخول الى
قريتنا وعند مدخل القرية أبصرت صبيا صغيرا واقفا عند المدخل فقلت له مستفهما ما
الأخبار ؟.. ما الجديد ؟
فقال لى أن هناك أشراط
واشارات وعلامات وعليك أن تتبعها
قلت له وما هى تلك الاشراط والعلامات والاشارات
أجابنى :
ـ باب الرجل الصالح الاثنين ابحث عن باب الرجل الصالح
ـ هناك كنز مخبأ لك تحت أحد منازل القرية ..
ـ ابحث عن الراهب فى الدير فان هناك أمر يريد أن يطلعك
عليه
ثم تركنى ومضى وتابعت طريقى باحثا عن تلك الامور قاطعا
شوارع القرية بحثا عن باب الرجل الصالح وعن الكنز المخبأ والراهب فى الدير
مررت حال سيرى بمنزل كان مهجورا وكان بعض الناس تشرع فى
هدمه فانتظرت لكى أرى عسى أن يكون ذلك هو باب الرجل الصالح أو المنزل الذى تحته
الكنزل المخبأ كما قال لى الصبى فى مدخل القرية
نظرت الى أعلى المنزل الذى يهدم وقد قام الناس بهدم جزءا
منه وظهر فى أعلاه غرفة عليها باب مغلق قرر من يقومون بالهدم بفتحه وحال فتحهم
لذلك الباب خرجت رائحة هواء مكتوم من زمن وكأن ذلك الباب لم يفتح منذ عقود رغم
مرور الناس على ذلك المكان وفى كل وقت ولم أنتظر لأرى ما بقى من هدم المنزل وشرعت
فى المسير باحثا عن الأشراط والعلامات والاشارات فمررت على ما يشبه بابا مغلقا يقف
عليه شخص لا أعرفه وأعتقد أنه قد دعانى للدخول وكان يبتسم وكانت ابتسامته لونها
أصفر ( هذا ما تبادر لى فى الحلم .. لونها أصفر) فدخلت وحال دخولى رأيت مقاعد
مصفوفة فى صفوف متتالية وكان يجلس عليها أهل قريتى وفى اتجاه واحد وكانت زوجتى (
جائت زوجتى فى الحلم فى صورة أمرأة من قريباتى ولا أعلم لماذا ) تجلس على مقعد فى
الصفوف ولكنها تجلس فى الاتجاه المخالف وكانت غاضبة أو مخالفة لهم فى أمر وكانت
ترتدى الحجاب وكانت القاعة ممتلئة بالدخان كأنها (غرزة ) أعتقد أنى حال رؤيتى
للأمرــ لا أتذكرــ استعذت بالله أم لا ، ولكنى تركت القاعة مسرعا وانطلقت فى
شوارع القرية حتى وجدت مكان ما دخلت اليه
لأستريح وكان المكان رطبا لأنه دورا أرضيا غير مرصوف وكانت هناك غرفة أو قاعة فى
ركن بالمكان دخلت اليها فوجدتها مقبرة ــ كانت تربتها كالمقبرة ترابها لدن ومبتل
كأن أرضها قد أصبح ظهرها بطنها وأخرجت ما فيها ــ لكنى لم أشاهد ثمة رفات أو عظام
فيها وكان هناك مكتل ( هذا هو اللفظ الذى جاء فى الحلم ) كان ــ كعلاقة أو قفة ــ
لها أذنان ويبدو على ما أذكر كان هناك شادوف ملقى على الأرض أو فأس ولم يك هناك أى
انسان .. انقبض قلبى فى ذلك الحين فخرجت مسرعا من تلك القاعة .
وجدت حال خروجى من القاعة رجلان كان أحدهما يرتدى زيا
كاكيا كزى الجيش والآخر يرتدى زيا أبيضا كزى الشرطة وكان الأول متجهما ويبدو عليه
الغضب وقد أخرج من جيبه عملة معدنية على أحد وجهيها نحتا يمثل يدا مقبوضة (قبضة
يد) وعلى الوجه الآخر نحتا كبلاط أو أرض فضاء أو لا شئ ( أعتقد أنها جائت فى
الرؤيا لا شئ ) .. وقد أشار لى بالوجه الذى يحمل البلاطة أواللاشئ .. فتبسمت بهدوء
وأخذت من يده العملة المعدنية وقلبت وجهها وأنا أريه الوجه الآخر للعملة الذى رسم
عليه اليد المقبوضة وأعطيته تلك العملة ومشيت من أمامه وكان الرجل الذى يرتدى زى
الشرطة يضحك وهو يرافقنى لبعض خطوات وكانت له شوارب واضحة فى ذلك الحلم وخرجت من
المكان وأنا مازلت أبحث عن تلك الأشراط والعلامات والاشارات حتى وصلت الى ما قبل
شارعنا بقليل وأعتقد أن شخصا ما قد أوقفنى وأراد أن يوصلنى لمكان ما أعتقد أنه قد
يكون مكان الراهب ( الا أننى لا أدرى ما الذى حدث بعد ذلك ) ولكنى وجدت نفسى أقف
أمام مدخل شارعنا وكان شابا يقف أمامى لا أدرى ما هو اسمه الا أننى أذكر أنه كان
اسما أعجميا وعلى ما أذكر قال لى سأريك مكان الراهب فأخذنى الى منزلنا وتركنى وذهب
دخلت البيت من الباب الأوسط ووجدت مكتوبا على جدران البيت من الداخل ــ جدران
الدرج " السلم " ــ آية من القرآن لا أذكر ما هى تحديدا .. وصعدت درجات
السلم حتى وصلت للدور الثانى ولم أجد أحدا ولكنى سمعت أصواتا تأتى من داخل الشقة
والتى كان بابها مفتوحا فتقدمت بضع خطوات للداخل وناديت فخرج لى طفلا صغيرا لم يقل
أى شئ الا أنه فى عجالة أخرج لى لسانه ودخل مسرعا لاحدى الغرف والتى خرج منها بعد
ذلك بقليل جدا رجلا يرتدى ملابس القساوسة وكان أبيض الوجه مشربا بحمره ــ لم يكن
راهبا فى دير كان كقس فى كنيسة ــ وأخذ يدى وبدأ ينطق بترانيم لا أعرفها فجفلت
ونزعت يدى منه وخرجت مسرعا من أمامه ..
ثم صحوت
ــ هذا كل ما رأيت .. فما تأويلك يا محمد ؟!
نظرت اليه بحب وأنا لا أجد الا أن أقول له :
ــ خير باذن الله
ــ قال الله فى كتابه العزيز :
"اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ"
ويقول أيضا :
"وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا
أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ"
ثم تابعت قائلا :
ــ نصيحتى لك يا عبد الخالق هى أن تصل .. صل ما استطعت
واتق الله وكن على علم أن التقوى محلها القلب يا ولدى .. سلم أمورك لله وأحرص على
سلامة قلبك ونيتك من شر كل مكار وحاقد وكافر وجدد نيتك فى كل أعمالك لله .. والله
غالب ولو كره الكافرون وتذكر دائما قول الله :
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ
مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ
فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }
وقوله فى سورة الزمر :
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
صدق على القول قائلا :
صدق الله العظيم .. صدقت يا أستاذ محمد .. شكرا على
النصيحة والكلام الطيب .. أنت لا تعلم كم أراحنى الحديث معك
ثم قام مجاز من مكان جلوسه وهو يقول :
ــ أعتقد أن الوقت قد مر سريعا ويجب على أن أرحل الآن ..
أنت لا يرضيك أن يضيع على أجر قيام الليل .. أراك باذن الله على خير.. السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
رددت السلام قائلا وأنا أبتسم :
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
رافقت مجاز الى باب الشقة مودعا وأنا أنظر اليه وهو يصعد
الى شقته بالدور العلوى ثم أغلقت باب شقتى وأنا أردد .. مع السلامة .. مع السلامه
يا مجاز
وشرعت الى الهاتف .. أخبر رئاسته بما دار بيننا ..
كالعادة ..حتى لا تحدث لى المشاكل .. وعقب انهائى المهمة أغلقت الهاتف .. وأنا
أنظر الى باب الشقة فى وجع وحسرة مكتومة .. كنت أود الا تتركنى وتبيت معى الليلة
يا مجاز .. لماذا تركتنى وذهبت يا حبيبى ..لماذا ..؟!
تركتنى يا مجاز وصعدت الى شقتك بالدور العلوى .. تركتنى
رغم أننى من تركك خالى الوفاض.. كان مجاز فى نظرى هو أحمد واياد وعبد الله وعبد
القدوس وكل من تمرغت جبهته فى تراب الوطن أثناء الصلاة .. كان تجسيدا لمعاناة
الوطن وقهر أبنائه حتى ولو كانوا من ذوى الرتب العسكرية كان قوة المبدأ فى قلوب
الأفراد وكنت جبن العبيد أمام بطش الأسياد ..
كنت أقل انسانية من مصارحته وأكثر ضعفا .. كنت أعرف تأويل رؤاه جيدا وأعرف
مالا يعرفه ويبحث عنه .. أعرف ما مضى وما سوف يأتى .. كنت أرى شحوب عينيه وهزاله
وزحف الشيب الى جسده النحيل وروحه الآخذة فى المشيب يوما وراء يوم .. أرى بأم عينى
آثار السموم ومركبات الكيمياء التى يتقيأها مع الدماء ولا أفعل الا أن ألعن
الفاعلين فى سرى دون أن أجهر حتى بذلك لأحد أو حتى له ودون حتى تحذيره منها .. كنت
ضعيفا وخائفا ككلب أجرب مسلوخ الجلد ..كنت أحبه سواء جائنى بزيه الرسمى أو كآحاد
الناس .. كنت أعرف أنه يعلم تماما بالأمر
طعامه مر وسم وحياته أيضا .. كان أضعف من أن يتمسك بحق ولكنه تمسك به .. احتراما
للوطن وحبا فى الله كان يصمت ..لماذا يا مجاز لم تختر اى طريق أعلم أن ثمة سيفان
.. فلماذا لم تختر كان أمامك سيف الخيانة والكفر وكذلك سيف الظلم والقهر .. أنت
تعلم جيدا أن الأول سيف شفيف وحاد ومن يضرب به قد لا يسلم من حد نصله فينقلب عليه
فيقتل حامله.. لماذا يا مجاز .. لماذا .. يستفزونك لترفع سيف القهر فى غير موضعه
.. فتشرع سيف الخيانة .. ويضيقون عليك لترفع سيف الخيانة .. فتضربهم بسيف القهر ..
قد يقال أنهم خونة ومنافقين .. لكنهم من يملك سيف الخيانة وسيف القهر .. يد البطش
قد تعمى العيون والقلوب فلا ترى أجساد الخائنين.. فنراهم ظلمة .. ومن عرف خيانتهم
.. كان فى شريعتهم هو الخائن .. أنت كما أنت .. لا ترى الزيف فى العقائد والمبادئ
ولكن تراه فى شخوص حامليها .. كمن ينظف التراب عن الرمز .. لكى يظل الرمز مضيئا ..
كمن يبغى التيمم فى وجود ماء الا أن الماء قد لاغت فيه الضباع .. كنت أريد أن أقول
له لقد جائوا مساء يا مجاز وأبرزوا هوياتهم عالجوا الباب بهدوء ودخلوا المسكن
فعلوا أشياء لم أراها ثم أعادوا كل شئ لمكانه وخرجوا وأمرونى بألا أخبرك والأ أشير
للأمر ولو من بعيد .. رغم علم جميع قاطنى الشارع بفوضاهم .. كأنهم يقولون أنظروا
وأبلغوا كل من لم يحضر .. أعرف ردك .. ستقول مأمورين يا زياد .. وقد يجرى عليهم
مثل ذلك الأمر .. آه لو تتخلى قليلا يا مجاز عن نظرتك الأعمق للأمور .. لماذا ..
لماذا لم تسبهم .. تلعنهم .. تخلق عداءا حتى ولو من العدم .. أنت تعلم ولكنك تريد
تأكيدا أو تريدهم أن يؤمنوا بأن الله أكبر .. كان الله من ورائهم محيط .. فأتاهم من حيث لا يحتسبون .. كانوا يريدون
أن يقنعوا الجميع أن هناك ثمة بطل ـ هو أنت ـ قرر أن يقاوم .. ويقاوم فقرروا أن
يتركوك مهما حاولت أن تقنعهم بالعكس .. يتركوك حتى يسقطوا من حولك واحدا واحدا ..
يسقطونهم جبرا أو اختيارا ثم يعودوا للتألق مرة أخر بعد السقوط .. ثم لا يهم بعد
ذلك ما هى نهايتك .. موت ,حياة , سجن , أى شئ لايهم .. تماما .. تمر أمامى صور
متتابعة لواقع مشابه (.. أمل دنقل / السادات / سرور / عبد الناصر / غاندى / مهاتير
محمد / ......)* شخص يرمز لنضال فترة زمنية محددة يلتف حوله نخبة معينة .. يمجدون
نضاله .. يسقط واحد أو اثنان .. يتأذى الجميع من هلامية مضمون بطش الدولة وشخوص
أولى الأمر الوهمية .. يختفى .. يمرض .. يموت .. سيان منح هوية واسم جديدين أم لم
يمنح .. المهم اختفائه من الساحة .. ثم يمتص الجميع فكرة النضال أو القهر ويرتدوا
قميصه ..أو يمزقوا قميصه .. وتعود فكرة بطش الدولة بأشخاصها الهلامية مرة أخرى
لتحدد من يستمر ويظهر على الساحة ومن يأفل نجمه .. وتبقى فكرة القميص الذى سيرتديه
المجتمع .. كرها أو رضاء .. أنت يا مجاز كغيرك فى النهاية .. مجرد دودة فى طرف شص
.. فلا يوجد أبطال .. لا أحد يقول الآن لا كما قال درويش* ..لك عندى عهد وميثاق ما
استطعت .. (ما استطعت )..
أن أروى لك كل شئ ما عرفت وما لم تعرف .. فمستحيل
بمستحيل ,, وللناس أن تحتكم الى عنقاء الكتابة *.. لست أنا بالغول ولست أنت ولست
بالخل الوفى وكذاك أنت وستقول العنقاء وتحكى .. وتقول .. وتقول حتى تمل من الكتابة
ويبكى أو يضحك من يقرأ الحكايات .. سيان عندى .. ستقول العنقاء حكايات أفضل مما
قيل عن ست الحسن والأميرة ذات الهمة والأقزام وذات الرداء ووحش بحيرة لوخ نس وحتى
أفضل مما قيل عن أحمد الزعتر .. فواح أنت كزهر الزعتر كلما قطعوك .. ترى هل أذكرهم
بشئ .. أم سوف أخشى على شئ .. وهل بقى لى شئ لأخشى عليه .. عجوز أنا كدهر مر عليه
وجع الدهر .. عجوز كعمر عكازتى التى أقتنيتها فى سن مبكر .. ابنى سافر الخليج وأنا
آخر من بقى من العائلة .. على أى شئ سأخاف .. أتذكرهم جيدا .. تذكرتهم حين رأيت
الأطفال يحملون البطاقات المقلدة فى الشوارع بسعر نصف الجنيه وهم فرحين .. يطلعون
عليها ذويهم وأى انسان يقابلونه فى فرح.. تذكرتهم وتذكرت قضية حاجر الجبل .. أو
حسرة حاجر الجبل .. كنا فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات حيث وقعت الحادثة ..
ترى هل يعيد الزمن نفسه بصورة أخرى أم أننا نتوقع خيرا فى نهاية أعمارنا ..
أتذكرهم وهم يصرخون كالملاحيس أو كالقرود فى حديقة الحيوانات ...(آآآآآآآآآآآآآآ
لألأأأأأأأأأأأأأأأأأ ليه).. فى ثورة كالمجانين أو الممسوسين أو المصعوقين بسلك كهرباء
عار فى حرم بناية المحكمة .. كنت أنا المحام الموكل من قبلهم لنظر قضية مقتل ذويهم
.. خمسة عشر قتيلا أيها الموحدون وجدوا فى محجر حاجر الجبل وأجسادهم مرتع لطلقات
الرصاص الآلى ومصفاه من الدماء .. كانت الأهالى تقول فى التحقيقات مضمون واحد ..
هو أن البهوات كانوا يأتون للحاجر ويتقاولون على أنفار .. عمال .. لأى شئ ..
الفاعل , أجرة , بناء, أو أى عمل يوكل اليهم .. فى مقابل بعض المبالغ الماليه
الجيده والتى توفر للعديد من الرجال العاطلين عن العمل المأكل والمشرب لذويهم
لشهور عديدة .. وبشرط الا يسأل أحد العمال عن شئ .. ويغيبون لعدة أيام فى قرى أو
بلاد بعيده نسبيا عن موطنهم .. ثم يعودون مرة أخرى محملين بالخيرات لأولادهم
وذويهم ..
وحين سئلوا فى التحقيقات عن أسماء هؤلاء الأشخاص أو
صفاتهم لم يبد الأهالى أى أسم هم فقط قالوا :
منعرفش غير انهم البهوات
وحينها طلبت من السيد المحقق أن يأمر بأخذ أوصاف الأشخاص
المشتبه بهم من ذوى القتلى واخطار المعمل الفنى المختص برسم صورة تخيليه لهم ..
وقد كان .. وكانت المفاجأه ..
أوصاف المشتبه بهم كانت لأناس تبعد كل البعد عن الشبهات
.. حتى أنه لايمكن التفكير .. مجرد التفكير فى سؤالهم استدلالا حال التحقيق ..
كانت الصور لفنانين وشخصيات ذات مراكز مرموقة بالدولة .. وبالطبع قرر كل الحضور
والمحقق وأنا وأكابر القرية أن ذوى القتلى مخطئين فى الوصف .. والعجيب أن كل ذوى
القتلى أصروا أن الأشخاص فى الرسم هم البهوات المزمع أتفاقهم مع القتلى .. ولم
يستطع أحد أن يثنى الأهالى عن رأيهم واصرارهم باتهام البهوات بأخذ ذويهم وقتلهم
وطلبوا منى أن أتهمهم رسميا بذلك .. وقتها قامت جهات التحقيق باخطارى أن القضية قد
حفظت وأنه تم تحرير محاضر تضليل عداله وازعاج السلطات ضد ذوى القتلى .. ومن الممكن
أن يقوم أصحاب الصور برفع دعاوى على الأهالى بسبب تلك الاتهامات .. ومرت السنوات
والسنوات .. ولايزال الفاعل مجهولا .. كل هذا جاء فى ذهنى فجأءة كرصاصة فى القلب
.. حين أبصرت الأطفال فى الشوارع يحملون فى فرح البطاقات المقلدة والتى تباع بنصف
الجنيه على الأرصفة.*
لك منى يا مجاز كل تحيه لن تصل وكل تربيتة على رأس يتيم
لم تصل لرأسك .. يايتيم .. لا أهل ولا مال ولا وطن ولا احتضان لحظات الشوق والفراق
واللقيا .. لا تحلم بالطريق يا مجاز .. لا تحلم لتصلح أى معنى للحياة لا تحلم الا لكى ترمم داخلك المهجور من أثر
الجفاف العاطفى* .. لا تحلم يا مجاز .. لا تحلم لأنك لا تملك أيا مما سبق .. لك
تاريخ سأقصه عليك فى يوم ما ..أو على الناس ان استطعت .. لا لشئ الا لأحكى .. فمن
يخاف الحكى .. من يخاف الحكى فى زمن المجازر والأقاذر والغثاء ..من يخشى حكيا فى
زمن الخديعة والخواء .. من يخاف حكائا فى زمان الرويبضة .. سأحكى لأحكى .. سأقول
لك من هو زياد عمك الوحيد ومن خالاتك وأخوالك .. ما وطنك .. وأين مالك .. من هى من
أحببت فى يوم من الأيام .. ومن هى من أحبتك ومن صديقك ومن صدقك .. ومن صدك .. وكيف
عشت ..صدقنى حين أقول أنك لا تعرف كيف عشت ..فقط لا تحلم بالطريق .. لا تحلم به ..
وحين تمر السنون سأسئلك يا مجاز وأنا أحتضنك بكل حب :
هل مازلت تحلم بالطريق..... ؟!
***********************
فاصل زمنى غير محدد الزمن
ــ يجب أن نجد حلا لذلك
هتف صاحب الركب مخاطبا صاحبيه وهم ينهضون من أمام البحر
شارعون فى المسير ثم أردف متابعا :
ــ ثلاث شهور مرت علينا الآن ونحن لم نتعلم شئ .. كل ما
فى الأمر أننا نخرج كل يوم عند شروق الشمس ونجلس عند مجمع البحرين لنصطاد الأسماك
ثم نعود قبل الغروب .
الصاحب الأول :
ــ الأمر الأغرب أن كل واحد منا يصطاد من المكان الذى
يحدده له الشيخ فاليوم أجلس أنا لأصطاد فى البحر العذب الفرات وتجلس أنت لتصطاد فى
البحر الذى ماؤه ملح أجاج ويجلس صاحبنا عند البرزخ والحجر المحجور.. ثم يبدل لنا
الشيخ الأماكن فى اليوم التالى .. وهكذا فى اليوم الذى يليه .. ثم اليوم الذى يليه
..دون أن نعرف مقصده من كل هذا .
الصاحب الثانى :
ــ الأغرب من هذا وذاك أننا حين نأتى له بما اصطدناه ..
يأخذه منا فى كل يوم ثم يخلطه جميعا بعضه على بعض ويطرحه على البسط ويطلب من كان
عند البرزخ منا أن يفرق بين أسماك صاحبيه .
صاحب الركب مقاطعا :
ــ ثم يأخذ بعضا من الأسماك لنأكله ويعطى ما بقى من
السمك لولده ليتصدق به على أول عابر أو يلقيه فى البحر تارة أخرى .
الصاحب الثانى :
ــ ولا أحد منا قد استطاع أن يفرق بين الأسماك فى أى مرة
الصاحب الأول :
ــ لماذا لا يخبرنا بقصده .. ولماذا لا يعلمنا مما علمه
الله
صاحب الركب :
ــ ربما يريد أن يعلمنا الصبر .. أو الدقة
الصاحب الأول :
ــ هو فقط سيأمر من كان عند البرزخ منا بعد أن نأكل
طعامنا أن يقوم الليل بصاحبيه .
صاحب الركب :
ــ فلننتظر .. لعله خير.
الصاحب الأول :
ــ لعله خير ..
الصاحب الثانى :
ــ لعله خير ..
تقبل الشمس نحو مغربها ... وهم يقتربون متجهين الى خباء
الشيخ
(بداية الاظلام)
******************