Pages

Sunday, August 9, 2015

زيارة الزعيم موسولينى


كنت أجلس فى شرفة المنزل أتأمل حال عصافير الكنارى داخل قفصها الحديدى , كيف كانت حزينة ومنكسرة وبائسة وهى تقبع فى الأسر , بعد فترة من التفكير العميق فتحت باب القفص وأمسكت بها عصفور تلو الآخر وأطلقتها فى الفضاء وأنا انظر إلى فرحتها وسرورها ومعانقة أجنحتها للهواء , حقيقة كنت لا أتحمل أن أرى مشهد الأسر بجبروته وطغيانه وظلمه وحين أطلقت سراح العصافير علمت أن شهوة الإمتلاك ولذته كما تكون فى أسرى لهم تكون فى إطلاقى سراحهم .
بينما أفعل ذلك توقفت مجموعة من العربات أسفل المنزل ونزل منها مجموعة من الرجال يرتدون القمصان السوداء يتزعمهم رجل قصير يشبه إلى حد كبير الزعيم موسولينى وأخذوا فى مشاهدتى وأنا أطلق سراح العصافير , بعدها صعد الجميع إلى داخل العمارة وفوجئت بجرس الباب يرن .
فتحت باب شقتى فوجدت الرجال ذوى القمصان السوداء ومعهم الزعيم موسولينى وبادرنى أحدهم بالسؤال :
ـ أنت مخيمر السديد بعر
أجبته :
ـ بالفعل أنا مخيمر السديد بعر
ـ أنت من يسكن هذه الزريبة الذنوبية
ـ نعم أنا من يسكن هذه الزريبة الذنوبية
ـ الزعيم موسولينى يريد الحديث معك
أزاحنى أحدهم بيده بعيداً ليدخل الزعيم موسولينى ومعه أربعة من الرجال ذوى القمصان السوداء ويحملون فى أيديهم الهراوات البيضاء والقرمزية والسوداء المزركشة مختلفة الأحجام بينما وقف باقى الرجال ذوى الحلل السوداء أمام باب الزريبة , وجلس الزعيم موسولينى على الأريكة الكبيرة بينما وقف رجاله الأربعة حوله وأشار إلى المقعد المقابل له قائلاً لى :
ـ أجلس يا سيد مخيمر فأنا أريد الحديث معك فى أمر مهم
جلست على المقعد المقابل وأنا فى حالة من الدهشة يكتنفها بعض الخوف من هول المشهد , وبعد فترة من الصمت تحدث موسولينى قائلاً :
ـ لقد قرأت المنشور الذى كتبته يا سيد مخيمر وأحيك على جرأتك الشديدة وقد أتيت كى أحذرك ...  ولكن قبل أى شئ أود أن أسئلك سؤالاً :
ـ هل تعرف من أنا ؟
قلت له بعد أن استعدت رباطة جأشى :
ـ أنت كما تريد أن تطلق على نفسك
ضحك ضحكة طويلة ثم قال عابساً :
ـ أنا الزعيم موسولينى , واعتبرنى مندوب عن الرجال ذوى الحلل الصفراء والرجال ذوى الأنوف المعقوفة , نحن لا نريد ايذائك إلا لو سعيت أنت إلى ذلك , نحن نسعى إلى صداقتك أولاً
قاطعته قائلاً :
ـ وكيف أسعى إلى أن أجعلكم تؤذوننى ؟!
أجاب بسرعة وشدة وحسم :
ـ بدون لف ودوران , توقف عن الكتابة عن الرجال ذوى الحلل الصفراء ورجال الأنوف المعقوفة وعن مؤسساتهم وأدبائهم ومثقفيهم فتلك أمور تدخل فى السياسة العامة لكوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى , هناك ثلاث أمور لا نريدك أن تتحدث فيهم ( الله , والأديان , ورعاة الأديان ) دع السياسة لأهلها يا مخيمر .
رددت بدورى :
ـ سياسة ومن الذى تحدث عن السياسة أنا أتكلم عن الحقيقة , لا يوجد صراع بين أبناء شعب ذنوبيا بجميع طوائفه وأنتم من افتعل العداء أول الأمر بين شرطة ذنوبيا وشعبها ثم بين جميع مؤسسات الدولة والحقيقة الواضحة أنكم من تحاربون الأديان , فلا حرية على أرض الكوكب إلا لرجال الأصفر ورجال الأنوف المعقوفة حتى لو اضطررتم لحرق وقتل شعوب وبلدان بأكملها .
قاطعنى قائلاً :
ـ دعنا من هذا الحوار الفلسفى , نحن نعلم أنك تبحث عن دار نشر لأعمالك الأدبية ولم تجد , نحن نعرض عليك داراً للنشر وانتشار اعلامى وجوائز ومرتب ثابت فأذرعنا يمكن لها أن تصل لكل مكان فى ذنوبيا والكوكب .
قلت له :
ـ فى مقابل أن أقول ما تريدون منى قوله , آسف , لا أستطيع قبول هذا العرض  .
هتف فى غيظ :
ـ أنت فاكر نفسك إيه , كل دور النشر فى ذنوبيا فى أيدينا ورؤسائها مجرد أسماء , عرائس ماريونيت نحركها كما نشاء ونحن من نصنع الأدباء , هناك ألف أديب وهمى فى ذنوبيا وحدها ورجالنا المخلصين من الأدباء هم من يكتبون لهم , نحن من يحدد سياسة النشر فى المنطقة ونحن من يحدد من سيشترك فى أكبر المسابقات وأصغرها ومن سيفوز فيها أيضا وما هى مواضيع الكتب والأفلام والمسلسلات هذا العام والعام الذى يليه إلى خمسة أعوام قادمة , ماذا ستفعل ؟!
ستكتب كتاباً عن الأصفر لن تجد دار نشر واحدة تعطى لك ترقيماً دولياً للكتاب وتنشره لك ولن تدخل به مسابقة خارج ذنوبيا أبدا .
قاطعته قائلاً :
ـ سأنشئ دار نشر خاصة بى
ضحك ضحكة مدوية ثم قال :
ـ لن يوافق اتحاد ناشرى ذنوبيا على تلك الدار , رجالنا من يرأس اتحاد الناشرين , سننشئ خمسين دار نشر فى المقابل , نحن رأس المال والقوة والقانون , كل ما يتطلبه الأمر بضعة ملايين وعدد من السجلات التجارية وعدد من الطبعات للحكاوى والنثر وفن الطبخ والمهارات الرياضية , أنت لا تفهم نحن من يصنع الحركة الثقافية وحركة النشر والأدباء فى ذنوبيا وفى كل دول الكوكب , سأضرب لك مثال بسيط .
هل تعرف دار ( الحلاق ) للنشر والتوزيع وكيف بدأت وكيف أصبحت الآن , نحن من صنعها وصنع أدبائها , حتى حرقها أثناء ثورة ذنوبيا العظمى نحن من افتعل ذلك الحريق وأعطينا له البروباجندا والشو الإعلامى وأغلقناه عامين أو ثلاثة لكى يأخذ  شهرة الإضطهاد التى تمنح مصداقية عالمية ويصبح من أكبر دور النشر فى المنطقة والكوكب بأسره , وتتكلم بإسمه منظمات حقوق الحريات والنشر والصحافة والإبداع وبلا ..بلا..بلا..
أصررت على موقفى قائلاً :
ـ آسف , أنا لن أكون أحد رجالكم حتى لو أصبح مصيرى مثل مصير ( البعو ) أو ( أبو رجل مسلوخه ) .
قال غاضباً :
ـ البعو كان من أعز وأغلى رجالنا من الأدباء ولكنه أراد فى لحظة ضعف أن يظهر للناس الحقيقة ويخبرهم عن مؤلف رواية (الكائن الكوكبى) وسرها الخفى فكان ايداعه السجن مجرد قرصة أذن بسيطة حتى يرجع عن أفكاره التى كانت ستجلب علينا خسائر فادحة , وقد عاد ليسكن مرة أخرى بين أحضاننا , أما أبو رجل مسلوخة فقتله كان مجاملة لأحد الأصدقاء .
حدثت نفسى بصوت مرتفع قائلاً :
ـ حقيقة .. قرصة أذن .. سر خفى وخسائر فادحة .. القتل مجاملة
ثم صرخت فيه فجأة :
ـ اتفضل بره .. عايزنى ازاى اتعامل معك بعد ما قلت هذا الكلام
قال بصوت حاد وعميق وحازم :
ـ اهدأ ... أنت لا تعلم من وافق وشارك فى هذه العمليات .. ما حدث للبعو وأبو رجل مسلوخه كان بموافقة خيرة مثقفى ذنوبيا وأدبائها وبالطبع هم من رجالنا حتى أن هناك عدد كبير من الأدباء والمثقفين كانوا يصنعون فرشاً وتمهيداً فى الوسط الثقافى الذنوبى للتغطية على ما حدث ... فكر ولو لدقائق يا سيد مخيمر
أنت رجل من أفضل الكتاب فى ذنوبيا ولا يمكن لشخص فى الكوكب أن يكمل عملاً أدبياً بدأت فى كتابته ولك نظريات علميه غير مسبوقة وأبحاث و..و..و,,,
ألم تفكر لماذا لم تحاول أى دار نشر بالكوكب الإتصال بك وطلب أعمالك للنشر ولماذا لم تحاول أى جهة أن تساعدك فى اتمام ابحاثك أو تقديمها على نحو أكاديمى بدلاً من بهدلة المنشورات والمواقع الإلكترونية والإنترنت حتى الأخير يتم تصفير العدادات بعد كل قراءة , ولماذا لم يساعدك أدباء ومثقفى ذنوبيا وتركوك هكذا كما حدث مع أبو رجل مسلوخة والبعو .
الإجابة يا سيد مخيمر أنك تشكل خطراً قد يكشف غطائهم وخطر علينا أيضاً , وإن اصررت على الإستمرار فى معركتك الخاسرة ستجد من يقول أن كل ما كتبته وانجزته فى حياتك مسروق من أدباء وعلماء ومثقفين آخرين وأنك مجرد أحد الدمى أو عرائس الماريونت التى يحركها شخص آخر , وسيجرى عليك ما جرى على أم سحلول والكحوجى وسيكو إسبرطة والبعو وأبو رجل مسلوخه , وبالطبع لن تجد من ينصرك ويقف بجانبك وستنسى بمرور الوقت .
قلت له محاولاً إنهاء النقاش :
ـ أعتذر منك فأنا أنتظر أحد الضيوف المهمين ولكنى أعدك أن أفكر جيداً فى ما دار بيننا من حديث
ضحك ضحكته المعهودة وهو يقوم من مجلسه ثم قال :
ـ لا تنسى أننا مددنا لك يد العون يا سيد مخيمر فى وقت أنت فيه أشد الحاجة للمساعدة , وتذكر أن الفاشية هى من سينتصر فى النهاية .
خطى بضع خطوات هو ورجاله إلى باب الشقة فوجدت نفسى أنادى عليه موقفاً إياه وسائلاً :
ـ موسولينى
ـ سؤال واحد .., كيف يمكن أن تكون فاشى وأنت تتحدث بإسم الرجال ذوى الحلل الصفراء والرجال ذوى الأنوف المعقوفة معاً وفى نفس الوقت , هل تجمعكم مصالح مشتركة ؟!
أجابنى وهو مستمر فى نزول درجات السلم الحجرى :
ـ من المستحيل أن تجد رجلاً واحداً يستطيع الإجابة على سؤالك أبداً .