Pages

Thursday, January 29, 2015

من كتاب ( الفوائد ) لإبن القيم


في المسند من حديث عبدالله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب عبدا هم ولا حزن, فقال اللهم : اني عبدك, وابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضى فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك, أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همّي وغمّي, الا أذهب الله همّه وغمّه, وأبدله مكانه فرحا".. قالوا يارسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال: "بلى, ينبغي لمن سمعهن أن يتعلّمهن".و صححه الألباني في الكلم ص81.

  فتضمّن هذا الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبوديّة. منها أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله: "اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك", وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته الى أبويه آدم وحوّاء, وفي ذلك  (تودد وتلطّف) له واستخذاء بين يديه واعتراف بأنه مملوكه وآبائه مماليكه وان العبد ليس له باب غير باب سيّده وفضله واحسانه, وأن سيّده ان أهمله وتخلّى عنه هلك, ولم يؤوه أحد ولم يعطف عليه, بل يضيع أعظم ضيعة. وتحت هذا الاعتراف: أن لا غنى عنه طرفة عين, وليس لي أن أعوذ به وألوذ به غير سيّدي الذي أنا عبده, وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه ......... مأمور منهي, انما يتصرّف بحكم العبوديّة لا بحكم الاختيار لنفسه.

..................

   وأمّا العبيد فتصرّفهم على محض العبوديّة فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون اليه سبحانه في قوله:{ انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} الحجر 42, وقوله:{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الفرقان63, ومن عداهم عبيد القهر والربوبية, فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت الى ملكه, واضافة أولئك كاضافة البيت الحرام اليه, واضافة ناقته اليه وداره التي هي الجنة اليه, واضافة عبودية رسوله اليه بقول: { وأنّه لمّا قام عبد الله يدعوه}. الجن 19.

Tuesday, January 27, 2015

زاوية الرؤية 3


محل لبيع الملابس الداخلية للنساء يضع نماذج مجسمة لنساء من البلاستيك ولا شئ يسترها سوى قطع الملابس الداخلية ( مانيكان )
يمر رجل ملتحى فيصطدم بصره بما وراء الزجاج فيولى وجهه للجهة الأخرى ويقول :
ـ استغفر الله العظيم .
تمر إمرأة متزوجة وتقف أمام الزجاج وتفكر هل معها نقود كافية لشراء قطعة أو قطعتين أم لا ؟
يمر مجموعة من الفتية ويتبادلون النكات حول الملابس الداخلية النسائية المعروضة .
تمر مجموعة من الفتيات ويسمعن نكات الفتية فيتبادلن ضحكات مكتومة ويسرعن فى الخطو .
تقف بائعة خلف الزجاج داخل المحل فى انتظار قدوم أى مشتر .

Sunday, January 25, 2015

زاوية الرؤية 2


ينظر رجل من أعل البناية إلى ما وراء زجاج شرفة البناية المقابلة فيرى رجل يمسك إمرأة من يديها كأنهما يتعاركان ... بينما كان إبنهما يدخل عليهما من باب الغرفة فيعتقد أن أبيه وأمه يرقصان  .... فى ذات الوقت الذى ينظر فيه رجل يمشى فى الشارع إلى نفس الشرفة فيخيل إليه أن الرجل يحاول أن يمنع المرأة من الإنتحار .... وفى واقع الأمر كان الرجل يساعد زوجته فى آداء التمارين الصباحية .

Friday, January 23, 2015

زاوية الرؤية 1


أخرج الكاتب الكلمات من وعاء اللغة وكتب العبارة التالية ووقف جانبا يتأمل المشهد :
" أحرق الطفل اليتيم الذى اشتراه الرجل صاحب حديقة البرتقال كل أشجار البرتقال بالحديقة بعد أن علم برخص ثمنه "
مر رجل يملك حديقة برتقال وزوجه فقرأ كلاهما العبارة على الحائط , فقالت الزوجة لزوجها :
ـ هل اشتريت طفلا يتيما دون أن تخبرنى ؟
أجاب الرجل زوجته قائلا :
ـ أنا لم أشتر أى طفل يتيم أو غيره 
مر طفل يتيم فقرأ ما كتب على الحائط وقال :
ـ أنا لم أحرق أشجار البرتقال 
مر شخص عابر عليهم ورأى حيرتهم فقال لهم سائلا :
ـ لماذا لا تسألوا البائع ؟!
مر رجال المطافئ فتوقفوا وسألوهم عن موقع ومكان الحريق تحديدا .
عندما رأى الكاتب حيرتهم عاد وكتب على الحائط بجوار عبارته الأولى :
" برخص أحرق البرتقال الذى اليتيم كل بالحديقة ثمنه اشتراه الطفل الرجل صاحب الحديقة بعد علم البرتقال أن "
قال الجميع فى صوت واحد :
ـ ما الذى كتبته يا رجل ؟!
قال الكاتب :
ـ لقد أدخلت الكلمات إلى وعاء اللغة مرة أخرى 
رحل الجميع من حوله , ولم يفهمه أحد .

Wednesday, January 21, 2015

إقرأ كتابك


قدمت لك كتابا أحمله بين يدى قائلا :
ـ إقرأ كتابك 
قلت لى :
ـ لكن هذا كتابك أنت 
ولوحت بكتاب تحمله مضيفا :
ـ إن كتابى أحمله فى يدى 
قلت لك :
ـ قد يمحى بعض ما كتب فى كتابى وينسخ إلى كتابك وأنت فى غفلة فأردت أن تحيط علما بما فيه
رددت على متعجبا :
ـ لكننى لم أسن سنة سيئة فيكون لى وزرها ووزر من عمل بها 
قلت لك فى لين :
ـ لقد استرعاك الله رعية وأخشى أن تموت وأنت غاش لرعيتك 
أعرضت قائلا :
ـ وأنا لا أخشى الرعية 
رجوتك سائلا :
ـ فهلا تخشى الله ؟

Monday, January 19, 2015

العسكرى الأخضر


كل أفراد الشعب العظيم كانوا يرفضون عملية السلام التى جائت بعد الحرب العظيمة مع العدو , فقاموا بقتل كلب صغير وهو يردد نشيد التطبيع على مرأى ومسمع من الجميع , وعينوا عسكرى أصفر يرتدى الزى الأصفر كيما يردد نشيد الحرب فى وجه كل من يتهم القادة بالسلام , ويشير إلى الكلب الصغير لكل من يسعى إلى حرب جديدة مع العدو .

 بعد مرور أربعين سنة , وعقب موت كل قادة الشعب العظيم قام العسكرى الأصفر بتعيين قادة جدد لترديد أناشيد الحرب والسلام كبدلاء عنه , وأخذ يوهم الجميع أنه يقوم بجمع أعقاب السجائر التى تتساقط من أفواه القادة الجدد , لأنه يخاف من بطشهم .

Saturday, January 17, 2015

إتق الله


كان يسخر منى ويستهزء بى كلما قلت له ( إتق الله ) .
فكتبت على صدر الجدار الذى يمر عليه كل يوم الكلمات التالية :

( انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه , انتبه ,
          حين أقول لك " إتق الله "
  فهى حجة لك إن اتقيت  , وحجة عليك إن أعرضت عنها )

بعد أن قرأ الكلمات , وفى صباح اليوم التالى جاء حاملا فأسه كى يهدم الجدار .

Thursday, January 15, 2015

ثمن البيع


أبصرته وهو ممتلئ بالفرح يقف أمام المشترى كى يبيع ولده ليتصدق بثمنه على المسلمين قائلا :
ـ فلتفعل به ما تشاء 
سألته مستفهما :
ـ وهل استئذنته قبل أن تبيعه ؟
أجابنى :
ـ وهل الجهاد فى سبيل الله يحتاج إلى إذن ؟
قلت له :
ـ اذهب فإستئذنه , فإنى أخشى أن تفتنه فى دينه , ولأن يهدى بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
أمسك المشترى بيد البائع وهو يجذبه بعيدا عنى قائلا :
ـ صه يا رجل , أما سمعت قول النبى _ صلى الله عليه وسلم _ " أنت ومالك لأبيك "

Tuesday, January 13, 2015

م _ ص _ ر


سألنى مستفما :
ـ ما هو تعريفك للوطن ؟
أجبته فى هدوء :
ـ وطنى هو المكان الذى أحب أن أرانى فيه حتى وإن قطعت مسيرة ألف عام فى إثر رائحته .
قال لى بغضب :
ـ لست أفهم مقصدك , أريد بلدا محددا
أخذت ورقة وقلما وكتبت أمامه :
ـ م _ ص _ ر 
قال بإصرار :
ـ أكتب الحروف بتشكيلها النحوى  .

Saturday, January 10, 2015

مخيمر السديد بعر فى بلاد العماليق



هتفت فى غيظ :
ـ القاتل هو بان كين سن يا أولاد الوسخة .
تردد صدى صوتى فى الفراغ لكنى لم أجد أية رد فعل كإجابة على هتافى سوى همس مستتر ينتشر ببطئ ..( مجنون .. مجنون .. مجنون )
أصبح نافوخى مشتعلاُ كفرن عم ربيع بائع الخبز ورغم ذلك لم أجد أى طريق للخلاص من أولاد الوسخة مما جعلنى أتأكد يقينا أنهم من رجال بان كى سن الذين يعملون تحت قيادة الرئيس ( الجحش ) وهو الإسم الرسمى الذى أطلقه أهل ذنوبيا على رئيسهم , البداية فى واقع الأمر لم تكن بهذه الصورة بل بدأ الأمر حين طلبنى الكينج على طريقة فيلم ( سلام يا صاحبى ) الذى يعرض على قنوات كوكب الأرض , قائلاُ لى بصوته العميق :
ـ انت شغلتك برافان
نظرت إليه بغل دفين وأنا مصمم على اكتشاف الأمر , كيف أكون برافان وأنا أمثل الإدعاء العام فى دولة ذنوبيا , لم أكن أعلم وقتها أن كل أجهزة الدولة فى ذنوبيا تعمل كبرافان للكينج والذى يعمل بدوره برافان للرئيس ( الجحش ) والذى يعمل بدوره برافان ل بان كى سن والذى عينته قيادة المبنى الأبيض ذو النجمة السداسية الزرقاء والتى تعمل بدورها برافان للرجال ذوى الحلل الصفراء .

توكلت على الله وشربت حساء التقليص البروليتارى كى ما أصبح من اقزام دولة ذنوبيا متحينا الفرصة المناسبة كى ما اتسلل لرجال الرئيس (الجحش) .
أخذت ألف وأدور فى أروقة ذنوبيا الرسمية حتى وجدت فرصة مناسبة تتمثل فى عملى حاملاُ للبلاليص القناوى التى سيشارك بها وفد ذنوبيا فى مؤتمر ( الخزف والصينى بعد غسيله ) برعاية مؤسسة دول كوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى والذى سيتشرف بقص حبل الإفتتاح لذلك المؤتمر السيد بان كين سن بنفسه , وقد حدث بالفعل وتمكنت من السفر مع الوفد المشارك إلى بلاد العماليق .
كنت فى بداية الأمر أحمل البلاليص المشاركة من قاعة لأخرى ومن مكان لآخر متحينا فرصة مناسبة للتصنت على الرئيس (الجحش) فى مباحثاته مع السيد بان كى سن حتى غافلت أحد الحراس الكوكبيين ودخلت بخفة إلى قاعة المباحثات .
جلست القرفصاء بعد أن شربت من قنينة الحساء البروليتارى متحولا إلى صورة ضفدع بشرى دائم النقيق وجلست استمع الى الحوار الدائر بينهم .
 بان كين سن :
ـ قررنا نعمل الحلزونة
رد الرئيس الجحش متصنعا الدهشة :
ـ لكن الحلزونة خطة معقدة وطويلة الأجل كيف يمكن للحراس الكوكبيين تطبيقها داخل ذنوبيا .
رد بان كين سن بغضب :
ـ لا تتصنع العبط يا جحش أنت تعلم جيدا ما فعلتموه داخل ذنوبيا والإحصائيات لا تكذب , يا راجل الإحصائيات التى أرسلتموها تؤكد أن جرائم السلاح وحدها داخل ذنوبيا خلال الأربع عقود السابقة تجعل كمية السلاح الذى تمت مصادرته من تلك القضايا يكفى لتسليح جيوش كوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى بأكملها , وكل ذلك بالإحصائيات
رد الرئيس الجحش :
ـ وما المطلوب تحديدا ؟
أجاب بان كين سن :
ـ الإستمرار فى خطة ( تجمع البغول ) التى تم وضع خطوطها العريضة عند تأسيس عصبة الأمم البسطرمية منذ عام 1945
خاصة عملية (ثقافة المشاهدة) , ومرحلة تطبيع الجيل الرابع للحروب .
تذكر جيدا أنك مجرد رجل من رجالنا داخل ذنوبيا حتى لو كنت الرئيس , ورجالنا فى ذنوبيا سيقومون بتنفيذ الخطة بالتعاون معك ومع من يختاروه من رجال ذنوبيا , مطلوب منك أن تكون مطيعا وتعمل ما هو مطلوب منك خلال مرحلة الحلزونة , رجالنا فى القضاء الذنوبى والجيش والصحة والأمن والمخابرات والثقافة والمؤسسات الخاصة والعامة والإعلام وحتى من رجال الدين سيتكفلون بتنفيذ المطلوب حتى يتوه شعب ذنوبيا ويستمر فى مرحلة ( ثقافة المشاهدة ) إلى الأبد , وتبدأ مرحلة تطبيع الجيل الرابع بإندماج النسل وذوبان الهوية والعقيدة , المهم هو تهيئة الرجال الصالحين فى ذنوبيا وأصحاب سلالات النسل النقى لتقبل فكرة التطبيع وذوبان الهوية والعقيدة دون أن يعلموا بمقاصدنا .
تسائل الرئيس الجحش :
ـ وكيف يمكن أن يحدث ذلك ؟
رد بان كين سن ضاحكا :
ـ التوهة ...هههههههههه .. إلم أقل لك من قبل , رجالنا المتخفيين داخل الشعب يحاربوا النظام القديم فيرد عليهم الحرب بحرب وتسيل الدماء وتكثر القتلى ويروج الإعلام للدماء ورجالنا فى القضاء والأمن والمخابرات يقومون بمحاكمات صورية وحرب اعلامية ينتصر فيها أحد الأطراف الذى سيحاربه الطرف الخاسر وتسيل الدماء وتحدث محاكمات صورية ويروج الإعلام وهكذا تستمر ثقافة المشاهدة ولا يجد الباقى من الشعب الطيب والرجال الصالحين مخرجا سوى اللجوء لمن نختارهم لعملية التطبيع دون أن يعلموا بطبيعتهم وهوياتهم فيمتزج النسل والهوية والعقيدة وتنطمس معالم دولة ذنوبيا وعقيدتها وينشأ الجيل الرابع للحروب داخل إطار عملية التطبيع  .
قال الرئيس الجحش :
ـ ولكن هناك عقبتان فى تنفيذ ذلك المخطط ونريد منكم الضوء الأخضر لكى نتعامل معهما , العقبة الأولى هى بنى الرجل المئة والذين سيعادوننا , والثانية مخيمر السديد بعر ولسانه الطويل لأنه سيخبر الناس عما يحدث فى ذنوبيا .
قال بان كين سن :
ـ لقد منحناك الضوء الأخضر بالفعل , فإفعل ما تراه مناسبا ولن يحاسبك أحد .
أضاف بان كين سن :
ـ ولكنى أريد أن أحدثك الآن وبعد أن إنتهينا من العمل فى بعض الأمور الشخصية .
قال الرئيس الجحش :
ـ تحت أمرك يا أمور
قال بان كين سن :
ـ هناك طلبان أريد منك خدمتى فيهما , الطلب الأول قطعة أرض فى الساحل الشمالى الذنوبى بمساحة مليون فدان أعجبتنى وأريد منك أن تنقل ملكيتها لى على سبيل الهدية .
أجاب الرئيس الجحش :
ـ اعتبرها ملكك من الآن , فقط أريدك أن ترسل حدودها وموقعها لمكتبى ولا تشغل بالك بأى شئ آخر , وما هو طلبك الثانى يا غالى ؟
قال بان كين سن :
ـ أريدك أن تؤدى لى رقصة بحيرة البط الشرشر فقد وعدت بعض أحبائى أنك سترقص أمامهم .
قال الرئيس الجحش :
ـ غالى والطلب رخيص , ولكنى بالمقابل أريد منك خدمة خاصة , فأنت تعرف أن نسبة المخدر المسموح للحكومة بالتعامل فيها هى ثلاثين بالمائة من نسبة المخدر الكلى فى ذنوبيا وفقا لآخر البروتوكولات الموقعة من دول الأمم المتحدة لكوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى والباقى يتعامل به باقى الأطراف فى ذنوبيا , وتعرف أن الثلاثين بالمائة يخصص جزء منها للإعتقالات المفبركة والقضايا الإعلامية والصناعة السياسية الشرطية وجزء آخر للمعامل والمصانع والشركات الخاصة بدولة ذنوبيا وجزء أخير مخصص للقائمين على تلك الصناعة العظيمة , ولا يوجد لى أى نصيب فى تلك الصناعة , وأنا أريد تصريحك بأن يتم منحى جزء ولو ضئيل من تلك الكعكة .
رد بان كين سن :
ـ عزيزى الجحش من الآن فلتعتبر تجارة المخدر فى ذنوبيا ملك لك وتصرف فيها كيفما تشاء ولك كل الخطوط الخضراء وسيقوم رجالى بالتنسيق مع رجالك حول الأمر من كافة جوانبه .
قفز الرئيس الجحش ضاحكا وهو يقول :
ـ استطيع الآن أن أرقص لك رقصة بحيرة البط الشرشر .
وبدأت الموسيقى بالعزف بينما كنت أتسلل خارجا بعد أن شربت من قنينة التخفى الأيديولوجى كى أصير سرابا خوفا من افتضاح أمرى وعثورهم على وقتلى .  


Friday, January 9, 2015

طبيب نفسى



جلست على أحد الكراسى فى قاعة الكشف والتى قسمتها من المنتصف ستارة من النايلون الشفاف تفصل بين المرضى وبين مكتب الطبيب مما يسمح له برؤية الجالسين على الكراسى من المحولين لتوقيع الكشف عليهم من جهات الدولة المختلفة وسماعهم أيضاً , ويسمح لهم بسماع محاورة الطبيب للحالة التى تجلس أمامه لمعرفة رد فعلهم .
حاولت تجاهل حقارة الموقف وإعتبار الأمر خطأ وارد الحدوث فأخذت أدندن لحناً بسيطاً وأنا أتطلع إلى الجالسين حولى بهدوء ثم سألت الجالس فى المقعد المجاور لى فى صوت منخفض :
ـ إنت محول من أى جهة ؟
قال لى بصوت كأنه يأتى من الأعماق :
ـ أنا مجنووووووووون .
أعدت السؤال مرة أخرى عليه :
ـ يعنى محول إلى المستشفى من أى جهة فى الدولة ؟؟!
أكد إجابته السابقة وهو يهرش فى جميع أجزاء جسده بإستمرار وبصورة هيستيريه :
ـ أنا ... معرفش ... غير ... إنى .... مجنوووووووووون .
خفت أن ينفعل على فأدرت وجهى للجهة المقابلة قائلاً :
ـ تمام
أخذت أحملق فى الرجل الجالس قبالتى , كان هادئاً جداً , يجلس كالحجر على المقعد مدلدلا لسانه خارج فمه المفتوح , وساكن ـ فقط ـ ولا شئ آخر .
دخل الطبيب وجلس على مكتبه موجه كلامه إلى الحالات الجالسة على المقاعد :
ـ يا أساتذة الكشف بالأسماء حسب ورود خطابات التحويل , قرف  الشوشرة عندنا فقط , نادى يا محمد على الأسماء .
وقف رجل ضخم الجثة كرجال الصاعقة ذو شوارب طويلة واضحة ويرتدى الزى الأبيض ينظر إلى مجموعة من الأوراق تبين إسم المريض وخطاب التحويل مرفق به صورة ضوئية حديثة للحالة ونادى بصوت مرتفع :
ـ أبوسريع سيد الغتيت
لم يلتفت أحد إليه , فنظر إلى الصورة المرفقة فى الأوراق , ثم تقدم إلى أحد الجالسين على المقاعد وجره من يده جراً حتى وضعه فى المقعد المقابل لمكتب الطبيب .
من وراء ستار النايلون كانت كل الحالات تنظر إلى المدعو/ أبوسريع وترهف السمع حتى لا يفوتها كلمة من الحوار .
قال الطبيب فى بشاشة :
ـ ما الحكاية بالضبط حتى أتمكن من مساعدتك ؟
رد أبوسريع بعد أن أحس بنوع من التعاطف قائلا :
ـ أجريت بحث عن نسبة المواليد بين دار الإسلام ودار الكفر وتبين لى أنه بالحالة التى يستمر فيها تناقص نسبة المواليد فى دار الكفر بسبب الإنحلال الأخلاقى سيؤدى ذلك فى النهاية إلى انتهاء نسل غير المسلمين نهائياً .
سأله الطبيب متعجباً :
ـ وهل حولت إلينا لمجرد إجراء بحث ؟!
أجابه أبوسريع :
ـ المشكلة ليست فى البحث ولكنى جمعت مستندات تؤكد تواطؤ قيادات الدول لتقديم .. لا أدرى ما هى الكلمة .. قرابين , عينات , حالات , تقديم أناس مسلمين رجال ونساء لأهل الكفر لإستمرار عملية النسل والحفاظ على النوع وعدم إنقراضه بشرط نقاء السلالة وهى سلالات نقية غير ملوثة بالمعاصى وذلك منعاً لإندلاع الحروب , وبالطبع لا تعرف الشعوب بما تفعله القيادات الظاهرة والمستترة .
قال الطبيب مندهشا :
ـ إنت فى الدرابزين يا زالابيه خالص , عنبر إنفرادى
ثم أشار برأسه للممرضين فانقضوا على أبوسريع وكتفوه ,وهو يصرخ ويقول وهم يقتادوه للخارج :
ـ سيقوموا بزرع أهل الكفر بين المسلمين , بأسماء مستعارة , سيتزوجوا نسائكم يا مسلمين , الكفرة , المجرمون , لا ,لا , ..
ردد الممرض إسم الحالة الثانية قائلاً :
ـ عبد الوارث البنهاوى الدمنهورى .. عبد الوارث البنهاوى الدمنهورى .
تقدم رجل فى منتصف العقد الثالث من العمر وجلس فى المقعد المقابل لمكتب الطبيب فى هدوء , بادره الطبيب بالسؤال قائلاً :
ـ وأنت لماذا ترفض طاعة رؤسائك فى العمل ؟ وتدعى أنك تعمل مع الرئيس ؟
رد عليه قائلاً :
ـ هو فقط مجرد إنذار بما يمكن أن يحدث لى , فأنا كنت أعمل فعلا ضمن مجموعة من المثقفين والنحويين والأدباء ومصممى الأزياء والفنانين والعلماء والمفكرين وغيرهم على نحو غير رسمى ودورى هو كتابة خطابات الرئيس وقد اعترضت على كتابة الخطاب الأخير الذى يتحدث فيه عن السلام والتطبيع مع العدو الصهيونى , فقالوا  لرئيس المصلحة التى أعمل بها أن يكتب تقريراً فى حقى ويتهمنى بالجنون وقد وعدونى بإنتهاء الأزمة , وهذا كل ما فى الأمر .
نظر إليه الطبيب بهدوء ثم قال :
ـ سوف يتم تأجيل حالتك إلى حين نظرها من المجلس القومى للصحة النفسية فى أقرب جلسة إنعقاد .
سأله مستفهما :
ـ وما هو المجلس القومى للصحة النفسية ؟
قهقه الطبيب من ضاحكاً ثم أجاب :
ـ هو مجلس مكون من وزير الصحة والسكان ونائب رئيس مجلس الدولة وأمين عام الأمانة العامة للصحة النفسية وممثل الجامعات المصرية بدرجة رئيس قسم ومحام عام أول بالنيابة العامة ورئيس قطاع وزارة التأمينات والشئون الإجتماعية ورئيس الإدارة المركزية للتمريض ورئيس قطاع الطب الشرعى وممثل المجلس القومى لحقوق الإنسان ومدير الإدارة العامة لإدارة مستشفيات الصحة النفسية ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسى وممثل أساتذة علم النفس بالجامعات ورئيس الطب النفسى بالقوات المسلحة ممثلا عنها وممثل الطب النفسى بوزارة الداخلية وأستاذ علم نفس وإدمان ممثلا عن احتياجات المرضى النفسيين وممثل الأخصائيين الإجتماعيين ولواء ممثلا لقطاع مصلحة الأمن العام ونقيب الأطباء أو من ينوب عنه وممثل لغرفة العلاج الخاص عن مستشفيات الصحة النفسية وممثل عن المجالس الإقليمية للمحافظات وأمين عام المجلس القومى للصحة النفسية وسكرتير المجلس القومى وهو الذى أمامك ويتكلم معك الآن إتفضل يا أستاذ وعند إنعقاد المجلس سيرسلون إليك , نادى على الثالث يا محمد .
نادى محمد بصوته الغليظ قائلا :
ـ محمد أحمد محمد ... محمد أحمد محمد
هب الرجل الجالس إلى جوارى واقفاً وهو يهرول ليجلس على الكرسى المقابل للطبيب وهو يرفع يده بتحية عسكرية قائلاً :
ـ تمام يا فندم .
قال له الطبيب :
ـ وأنت سمعنى صوتك الشجى .
رد عليه الرجل بصوت عميق :
ـ أنا .. معرفش .. غير .. إنى .. مجنووووووون .
صرخ الطبيب فى الممرضين قائلاً :
ـ شيلوا القرف ده , الحالة تودع عنبر 3 بسرعة .
أخذ الممرضون الحالة من أمام الطبيب وهو مايزال يكرر كلمته الأخيرة :
ـ مجنووووون ... مجنوووون ... مجنووووون .
نادى الممرض بصوته الجهورى على إسمى فقمت من مجلسى بهدوء وتوجهت لأجلس على المقعد أمام الطبيب قائلاً :
ـ السلام عليكم
لم يرد السلام ولكنه نظر إلى الأوراق أمامه قائلاً :
ـ مكتوب أمامى أنك تدعى أن أهلك والمحيطين بك يحاولون تزويجك لإحدى الداعرات بالإتفاق مع أجهزة الدولة المختلفة بدون ذكر سبب واضح لذلك .
أجبت فى هدوء :
ـ هذا الكلام غير صحيح , وهناك ثلاثة كتب انتهيت من كتابتها وهى حالياً قيد الطبع عن التأثيرات البيئية وأثرها فى الجهاز العصبى والنفسى للإنسان وعن الأعشاب الطبيعية وأثرها فى علاج الإضطرابات النفس عصبية وعن أثر البيئة والمجتمع فى علاج حالات الفصام وحاليا أسير فى إجراءات القيد بنقابة الأخصائيين النفسيين .
نزع الطبيب نظارته الطبيه وهو يرجع بظهره إلى الوراء وظل يحدق ببصره إلى فاتحاً فمه الكبير دون أن ينطق بحرف واحد .


Wednesday, January 7, 2015

المُخَاطَب والمُخَاطِب


أجلس أمامه قابضاً يدىَ بقوة خشية اهتزاز أعصابى الطرفية وقابضاً على يقينٍ قلبىٍ خالص ـ أنه إما من أهل النفاق أو الكفر ـ خشية أن يؤثر كلامه على أعصابى الدماغيه فأصاب بالصداع أو أغفو أمامه نتيجة عبثه المستمر بالمسلمات حين يقول مؤكداً :
ـ وسيسألنى أحدكم ما هى الحديقة ؟
 ثم يرد علي نفسه قائلاً :
       ـ الحديقة هى أرض قحلاء جدباء لا يوجد بها شئ سوى الرمال الصفراء .
أحاول جاهداً ألا أمنحه الفرصه ليجعل من حياتى وعالمى ودنياي التى أحيا فيها جزءاً من سياق الحديث فأفشل فشلاً ذريعاً , خاصة وهو الذى يملك زمام الأمور وبيديه ناصية الحديث بل والشارع أيضاً , فأحاول أن أغمض عينىَ حتى لا أرى التناقض حين يقول وهو يهز رأسه يمنة ويسرةَ للنفى :
ـ أنا أحب الوطن ومستعد لبذل دمى وحياتى وروحى فى سبيله وأشهدك يا الله على ذلك .
ويرفع يديه إلى السماء وهو مستمر فى هز رأسه بالنفى فى صورة تجعلك تتذكر أن آية المنافق ثلاث ...
أحس بتثاقل الجفون نتيجة عدم قدرة الدماغ على ترجمة الإشارات المتداخلة من العصب البصرى الذى يرسل إشارات بالنفى والعصب السمعى الذى يرسل إشارات خلاف النفى , فأهز رأسى بقوة لنفض النعاس وأحاول الإنشغال بأى شئ آخر , فأجدنى أحاول وضع عناوين محتملة لكتاب ما :
( سُبُل المُخَاطِب فى صرف العقل عن جوهر الخِطاب / جدلية ألأنا والآخر بين بارانويا الواقع العقائدى وقوة السلطان / تهافت الرويبضة / ....../ .......)
أعود مرة أخرى للنظر إليه وأنا أعلم أنه يبتغى الفتنة ويقلب الأمور فأجده يقول :
   ـ وسيسألنى أحدكم , لماذا الأم المثالية هى راقصة الوطن الأولى ؟! .... 
ثم يجيب أيضاً على سؤاله قائلاً :
ـ لأنها تعمل بشرف .
تدور فى رأسى العديد من الأفكار المتضاربة :
( يحاول إهانة الشعب / يحرش بين الناس / شيطان / ترسيخ لقيم إجتماعية فاسدة لتُمكن لنفسها بمرور الوقت / يفرض أمراً واقعاً / مجنون / خائن / كافر / كلب / تداخل سياقات / بارانويا / تلاعب بالحواس / صرف عن العبادة / ...../..../....../........) .
أرجع إلى الوراء بعقلى بضع عقود فأرى صورة فى المخيلة لرباط إجتماعي لم تنكشف سوءته , وأشخاصاً على شاكلته يحاولون هتك حجاب الخلوات , وقد نجحوا فى ذلك وها هو أحد خلائفهم يكمل المسيرة , فأسمعه يقول :
ـ وسيسألنى أحدكم , من هو الإرهابى ؟
يرد على سؤاله قائلاً :
ـ هو ذلك الذى يعلمك أمور دينك , وتعرفون أن بن تيمية رب الإرهاب .
أتجه نحوه فى غضب , أرفعه من على سطح المكتب وألقى به على الأرض , فيتكسر التلفاز إلى أجزاء متفرقة تحت قدمى .


Monday, January 5, 2015

قبل أن يصل الأسير ( رواية )

                        الفصل السابع
                 فى رثاء الرحيل والكتابة

ماذا تلدين الآن
طفلاً أم جريمة                                    
                                                 أمل دنقل ( سابقاً )

فالأحياء هم أبناء عم الموت
والموتى نياماً هادئون
                                          محمود درويش
يقولون أن عيون الشهداء تبقى مفتوحة كإدانة وكعطاء رمزى لصالح قضية محسومة منذ الأزل .. وها قد مات زياد وماتزال صورة وجهه المبتسم وعينيه المفتوحتين لم تفارق القلب والعقل والذاكرة على حد سواء , كان وجهى هو آخر ما رآه وكان يبتسم شاكراً إياى أنا من سقته بنفسى الى موت لا يليق به , يموت زياد فى وقت يصير فيه القتلى إحصاءاً لضحايا الإضطرابات كأى شخص من الغوغاء والغثاء ولا تهتز له البلاد وكيف تهتز أوطان فر من بطشها ــ فى الأصل ــ حاملاً قلبه كحقيبة ممتلئة بالذكريات , تمر صورته كل دقيقة من أمامى فأبكيه تارة وأخرى أبحث فى عينيه عن هوية القتلة , أنا أعرف جيداً أن مقتل زياد أكبر من جرم عابر أو إختيار عشوائى , كان زياد شاهداً على ما لم يعلمه أحد , شاهد للضحايا وللأبطال معا حتى لو سخر منهم بنظرة ومر كما قال درويش ( والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطاله .. يلقى عليهم نظرة ويمر )
كان العزاء لىَ حين كان الأهل أغراباً فى أعين المعزين وكان الميت غريباً فى أعين أهله وكان سرادق العزاء شاهداً على غرابة المشهد , يأتى بعض المعارف وعدد من الأدباء يؤدون واجباً ثقيلاً يجب تنفيذه ثم يغادرون بعد وقت قليل كى يجترون ذكريات الماضى ومواقفه التى قد يضيف لها البعض مآثراً وحكايا لم تحدث حتى تزداد حرارة الموقف ومعزة المقتول ثم يتناوبون بينهم سماع القصائد فى رثاءه ويناقشون موته عدداً من المرات ثم يعودون الى حياتهم مرة أخرى ,بينما ابن أخ المقتول ( مجاز )
لا يعلم أن القتيل عمه متلقياً خبر الموت كموت شخص عابر , حين كانت شذى تسألنى دائما فى فضول عمن مر فى هذا المساء فأتوارى بحزنى قائلاً :
ــ معارف
بينما كان عبد الجبار علوان يمر فى السرادق يميناً ويساراً شرقاً وغرباً وذهاباً وإياباً ناظراً ومحدقاً بعينيه الىَ نظرة تقول :
ــ إياك إياك أن تخرج عن الصمت
فيتردد فى وادى الصمت صدى نظراته بلغة لا تقول فأتلاشى بها وأقول بصوت عال :
ــ سبحان من له الدوام
يرد الحضور وبينهم عبد الجبار بنفس الصوت  :
ــ سبحان الدائم الباقى
كان المشهد فى حد ذاته لا يدعو لأى صمت لأنه مكرر صورة معادة من ألأمس القريب حين كنت فى الثلاثينات من العمر وحدثت وقتها أحداث الإرهاب فى مصر وخاصة الصعيد فى ثمانينيات القرن الماضى والتحف الجميع بنفس الصمت وقرر أولى الأمر أن يكون العنوان الرسمى لما حدث وما سوف يحدث " الإرهاب المسلح " وأن تصبح الضحية الرسمية صورة الدين الأصولى فى أعين الناس , وما تم بليل لا يجب أن يكشف عنه أى صباح
كنت قد سرحت قليلاً مع مشهد المطعم فى فيلم  (PULP FICTION) ــ حينما استشهد الممثل الأسود بآية من سفر حزقيال والتى مفادها ( إن طريق الرجل الصالح مكتنف من جميع الجهات بأنانية الرجال الأشرار وظلمهم وطغيانهم مبارك الذى هو باسم الرب راعيا فى وادى الظلمات يحمى الشاة من بين أنياب الذئاب )
ترى هل كان للعصافير التى على الأشجار أن تحمل ألماً ووجعاً بديلاً عمن تراه أصيب بذلكم الألم أم أنها آثرت أن تضع أجنحتها فوق عيونها كى لا ترى تفاصيل المؤامرة القذرة .
قالت شذى ـ لنا رب كريم ـ ولم يك لها أن تتخيل مقدار كرمه , وحين رأى الجميع كرمه وضعوا أجنحتهم فوق أعينهم ثم رددوا مثل ما قالت شذى .
حين تسير بين الظلمات مستأنساً ومستوحشا ـ فى آن واحد ـ من حافظة مليئة بالذكريات التى تنطوى كل ذكرى منها على الشقاء والسعادة والفرح والحزن والألم والسرور والصدق والخديعة وكل شئ ونقيضة عليك وحدك أن تحمل عبء ترتيب التباس مشاعرك تجاه كل شئ أو أن تحيا حياة الحيوان الأعجم الذى يعجز عقله وقلبه عن إدراك قيمة الحس والشعور
ترى هل كانت نورا الزهران حكاية مشابه لحكاية مجاز قدر لها أن تبؤ بالفشل ؟
وهل لها إبنة نزعت منها انتزاعا فى ذلك الوقت ؟
هل مر على مجاز وقت أحس فيه بما كتمه عنه الأهل والأصدقاء؟
وهل للأوطان عامة وللأفراد خاصة أن تعقد الموازنات على حياة الأبرياء ثم يأتى ألأبرياء كى يعقدوا موازنات على حياة بعضهم البعض ثم يتزيوا بزياً قشيباً موشحاً بالأسى من الوطنية .. هل أصبح رداء الوطنية فى نظر الناس هو المقابل للإمتثال لأولى الأمر حتى لو كانوا من القتلة والسفاحين .. قالت شذى ــ لنا رب ــ وكنا لا نعلم وقلنا جميعا من بعدها حين جاء الوقت ــ لنا رب ــ
وقال زياد ومن بعده مجاز ــ مثل ما قال الأولون ــ ( بالمقابل أضع كرامتى أسفل حذائى ) وقد سبق نوران الجارحى زياد حين قالها له بعينيه وهو يمهد للرحيل عنه :
ــ أنت لم تعرف أحداً فى حياتك
( وبالمقابل أضع كرامتى أسفل حذائى )
يقول الممثل الأسود الذى يأخذ دور قاتل وسارق فى الفيلم وهو يشهر مسدسه فى وجه سارق ـ ويحتمل أن يكون قاتل ـ آخر :
ــ ولكنى أحاول جاهدا وبصعوبة شديدة شديدة أن أكون الراعى
ثم يتركه يرحل بما سرق من رواد المطعم
يفيقنى صوت الشيخ من حالة الشرود وهو يتلو :
( كلا بل لا تكرمون اليتيم [17] ولا تحاضون على طعام المسكين [18] وتأكلون التراث أكلاً لماً [19] وتحبون المال حباً جماً [20] كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً [21] وجاء ربك والملك صفاً صفاً [22] وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [23] )

فأقول :
ــ سبحان الله .. صدق الله العظيم
كان اليوم هو آخر أيام العزاء وقد كان حسام فياض متواجداً فى الساعات الأخيرة من العزاء هو ومجموعة من الأدباء منهم من كان حاضراً ندوة زياد أما ريم فقد آثرت بعد دفن زياد أن تبكيه فى كنف الوحدة فذهبت بعد إنتهاء الإجراءات وما يلزم لإنتهاء تلك الأمور الى الفندق تاركة لنا أمورا شكليه يتوجب على أهله وأصدقائه وأحبائه القيام بها ..
كنت بين الحين والآخر حين أختلى بنفسى أجد أننى قد فقدت صديقاً ومبدعاً على قدرٍ كبيرٍ من الشفافية وخالياً من أدران الحياة قلما يجاد بأمثاله فأبكيه تارة وأخرى أتأمل ذكراه وثالثة أضبط نفسى متلبساً بإرتكاب جرم كتابة الشعر وسط حالة العزاء العامة فألعن شيطان الشعر إن كان قد تنزل علىَ فى ذلك الوقت ثم أتنحى عن واجب التواجد بين الناس فى العزاء وعينى تفيض من الدمع منتحياً فى إحدى الغرف الجانبية لكى أرثيه فى قصيدة , كأن زياد يحتاج الى قصيدة جديدة فأترك القلم وبطانة علبة السجائر (الورقة الداخلية) التى أكتب عليها وأقول لنفسى لقد كان أحد المعلقات تمشى على الأرض .
ترى هل كان الأدب بخيلاً بكل هذا القدر كى لا يكرمه فى حياته وهل كان الوطن أكثر بخلاً ؟!
هل كان لنا عذر فى تركه كى يكون مشاع أم أنه اختار طريقه غير مرغم ولا كاره ثم أحب ذلك الطريق ؟!
فى الموت يكون حضور الأموات طاغياً بذكراهم , هم أبطال ما مضى ونحن مجرد أدوار مساعده فى مسرح الحياة .
يدخل حسام فياض إلى الغرفة التى أجلس فيها وهو يقول :
ــ البقاء لله يا محمد .. شد حيلك
فأقول :
ــ سبحان الدائم الباقى
فيقول حسام :
ــ الجماعة يستئذنوك فى الرحيل
جهشت بالبكاء مرة واحدة وأنا أحتضن حسام وأقول له :
ــ لا أستطيع البقاء هنا يا حسام خذونى معكم أستنشق الهواء قليلاً .
خرجنا من السرادق وكنت قد طلبت من عبد الجبار ومجاز أن يقوما بما تبقى من دفع باقى حساب السرادق وانهاء باقى الأمور البسيطة المتبقية , ثم ذهبنا الى أحد المقاهى التى تطل على النيل وقد بدء ذلك الإحتقان والإختناق الذى أصابنى فى الزوال تدريجياً فيما كنت ما أزال صامتاً متأملاً حال الجميع , كانوا لايزالون يناقشون أمر مقتل زياد وهوية المستفيد من موته والبحث فى ذاكرتهم الضعيفة التى لم تسعفهم المرات القليلة التى جمعتهم بزياد وما يعرفونه عن حياته فى تحديد شخوص أعداء مفردين كان الأمر دائماً يصب على كيانات أو أنظمة أو دول ستستفيد حتماً من موت زياد بحكم ما كان يعلمه من خلال عمله .
كانوا بين الحين والآخر ينظرون إلىَ ثم الى حسام نظرة عتاب لأنى من دعوته الى تلك الندوه ثم يصمت الجميع فيقول أحدنا مزعناً لمشيئة الله :
ــ قدر الله وما شاء فعل
كنت قد أكملت القصيدة التى بدأتها فى إحدى الغرف خلال العزاء وأحببت أن أسمعها لهم رغم كل شئ , شعرت فى ذلك الوقت أنها ستخفف عن نفسى حدة الذنب الذى لم يكن لى يد فى حدوثه وهو دعوة زياد للندوة فقلت فى هدوء لهم :
ــ أريد أن ألقى عليكم قصيدة
رحب الجميع بالأمر خاصة وأنهم كانوا يريدون إخراجى من حالة الصمت والعزلة التى فرضتها على نفسى بين الجميع وستكون تلك بداية جيدة على الأقل للبدء فى الكلام وتبادل الحديث معهم , فأخرجت الورقة ( بطانة علبة السجائر ) وأنا أذرف قطرات من الدموع بعد أن امتلئت عيناى بها وبدأت ألقى :
ــ أعذرونى إن كانت هناك هنات عروضية أو بعض الكسور فهى مسودة لم أقم بتنقيحها بعد
القصيدة بعنوان ( يقول الحصان )    
أتيت وحيداً .. لكيلا تظن بأنى سوف أحاربُ هذا المساء .. وأن مائدة الله ما نُزلت من أقاصى السماء .. لكى يٌكرم المتعبين ..
الجنود المساكين ..الفاتحين ذوى الرتب العسكرية .. والخطباء ذوى الحنجرة الذهبية .. من أقاصى الجنوب أتيت .. لكى تشترينى فى حانة الشعر ..ومن سوء حظ الحصان أسر الى :
ـ أعددت نفسىَ كى تمتطينى ..أعددت نفسىَ كى تدخل الحرب وحدك .. تحيا لوحدك ..تقتلٌ وحدك ..تُظلم وحدك ..فلا تدخل القدس معهم بثوب جديد ..لا تحارب أعداء قومك .. كن عبقرياً كطفل صغير ..وارجمهم بالحجارة عند المروج .. التحوت استكانت ... حين قلدها الطواغيت تاج النبوة / تاج الملوك ..
استكانت لكى يعبر الجيش نحو البلاد الأسيرة ... البلاد التى أورثت عاشقيها شحوب البنفسج عند السلام .....
يقول الحصان :
ــ سلامُ عليك .. أتيت وحيداَ لألقى السلام
يقول الحصان :
ــ هل تعرف البيت ..تاج الأميرة /فستانها ..صولجان الملوك وشارع القصر ..ساعة الأرض ..أبوك وأمك ..إخوتك المنهكين ..
رفاق الطفولة / حراسها ..شعراء البلاط وأعداءه .. القضاة العدول وأضاضهم ..أسماء من أغضبوا الله ..هل تعرف الله ؟!
يقول الحصان :
أتيت لأحكىَ ما لم تراه ..
 فهل تعرف البيت ؟! ..فى زمان النبوة طاف بى الناس حوله ..
رميت السلام عليه وأبصرته من قريب ..وعاهدت نفسى من وقتها بألا أورث نسلىَ غير الفوارس .. وهلك الفوارس ..
هلك فوارس هذا الزمان ..
أتيت وحيدا .. أتيت وحيدا لألقى السلام ..
 يقول الحصان :
 امتطنى الأميرة فى سالف الدهر قرب الفرات وداعبتها ..
كان ثوب الأميرة مثل السكاكر فى فم خيل الخليفة ..حلو وناعم ..
حرير مغشى بحجر الزبرجد والأقحوان ..
يقول الحصان سمعت الأميرة ..سمعت الأميرة تحكى عليك ..
تسر لأقرانها عن مليك يجئ الى القدس رث الثياب بلغز قديم
يحيك من البحر سفن العبيد .. بمد وجزر وجزر ومد ..
يقود الجنود لتل بعيد ..
يطير الحمام .. يُقدُ السلام..
يقول الحصان :
أتيت وحيدا َ.. أتيت وحيداَ لألقى السلام
يقول الحصان بصوت خفيض :
ــ هل تعرف القصر والصولجان ؟.. وضع الملوك ومن سالف العهد فى شارع القصر كل الرماة ..كل الرماة وكل السلاح وكل العتاد لكى يحفظوا صولجان الملوك من الفاتحين ..
فإياك إياك ...
سهم الرماة وغدر الملوك وعهد الملوك ...بلاد تموت وأخرى تعيش ليبقى السلام ..
أتيت وحيداً .. أتيت وحيداً لألقى السلام
يقول الحصان :
ــ أحس بقرب قيام القيامة .. فقل لى بربك هل ساعة الأرض حانت أم سوف أبقى لأبحث عنك بزمن جديد ؟!
وهل أنذروك بها .. الملائك والشياطين أعنى .. وهل أنت من عاش فى الأرض مثل اليتيم كهذا السواد
( أشار بحافره صوب خيل يسير كجيش عظيم )
أضاف الحصان : هم كل نسلىَ وهم لم يرونىَ جائوا ليلقوا عليَ السلام وجائوا ليلقواعليك السلام
يقول الحصان :
ــ بقرب المخيم عاش اليتامى يحلمون بأخ وأب وصديق وأرض .. عاش الثكالى بقرب الخليل وعكا وحيفا ويافا كى يحلمون بفتح قريب .. فإياك إياك إخوتك المتعبين .. رفاق الطفولة / حراسها .. من علم القلب عزف النشيد لأرض بعيده .. كبنت تعاقب أبطالها فى روايه .. نسيج السطور يغازل أبطال أرض الحكاية ثم ينثره فى ربوع الكتاب ليعلن أن كل الشخوص ستأخذ قدرا من الحب يكفى لترضى المليحة عن مجمل النص كى لا تموت المدينة
يقول الحصان :
ــ بربك لا تكتب الشعر كى لا تنوح عليك الخيول .. إمتطاها الحطيئة والأصمعى وتاج العلاء وكل الفحول
فمن ذا الذى سوف يعصمك الآن من بطش شعر الهجاء وشعر المديح وشعر الرثاء ونوح البكاء وسيف اللسان وشعر البلاط وأهل البلاط
يقول الحصان :
رأيت القضاة العدول على حافة الظلم
 بين الزمان وبين الزمان
يردون هجمة من يفسد الأرض
أو يصرخون لأضادهم
ما حكمنا بغير الذى أنزل الله
قال الحصان :
فهل تعرف أسماء من أغضب الله
هل تعرف الله
كنت هنالك قبل قيام القيامة 
قبل الذى كان
قبل الزمان وقبل المكان
أعددت نفسى كى تمتطينى
لا تمتطينى
أنت على ظهرى الوهم
ووحدك وحدك
تبقى الحصان


انتهيت من إلقاء القصيدة وكانت عيون المستمعين قد حُملت بكثير من الأسى والتأمل مع كتمانها لبعض الدموع التى أبت أن تنزل مؤثرة بقائها فى قلوب أصحابها , وآثرت عيناى ألا تكتمها فانهمرت فى بكاء حار جعل الجميع يلتفون حولى فى حالة عامة من المواساة تصحبها عبارات التخفيف عن النفس , بعد ذلك  وجدت نفسى غير قادر على المكوث أكثر من ذلك فى المكان فطلبت من حسام أن يوصلنى بسيارته الى السكن مودعا الجميع على وعد باللقاء فى القريب العاجل بإذن الله