البدوى: March 2015

نعم ... أنا أعترف

أعترف أننى كنت لا أعلم بالأمر .. لم أولد حينها حتى أشهد على ما لا أعرف .

منذ الستين عاما إتفق الزعيم الكبير أبو فطير قائد دولة ذنوبيا فى ذلك الوقت وزعيم دول المنطقة الخضراء داخل كوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى على طلاء جميع جدران منزله باللون الأصفر متجاهلا بهتان وعدم وضوح الرؤية التى يضفيها ذلك اللون على الساكنين ورغم استنكار الشعوب لذلك الأمر واستنكار شعب منطقة المقدسات المميتة للأمر خاصة بعد إتفاق قادة الكوكب على بناء دولة للعدو اللدود داخل المنطقة الخضراء بإيعاز من الرجال ذوى الحلل الصفراء ( رجال الأصفر ) والتى جلبت بدورها حروب عصابات وحروب دوليه فى تلك المنطقة , وانتهت لتنفيذ إرادة ( رجال الأصفر ) رغم أنف الجميع وأصبحت المنطقة الخضراء منذ ذلك اليوم تسمى بالمنطقة (الزخياء) لتداخل الأزرق والأخضر فى ربوعها , ولم تبد الشعوب اهتماما كبيرا لذلك الأمر ـ طلاء جدران المنزل ـ ذلك أن العدو اللدود ودولته الجديدة داخل الزخياء قد شغلت كل شعوب الأرض وجعلتها منطقة صراع دائم لإشعال الحروب والنزاعات وإخمادها دون الوصول لأى حل نهائى للأمر مما يسهل عمل الرجال ذوى الحلل الصفراء فى كل ربوع الكوكب .

عموما كان الناس لا يزالون يقضون أغلب الوقت فى الخارج ..غالبا فى دور العبادة ولم يكونوا يمرون على منزل الزعيم الكبير ..

ولكن الفكرة قد أعجبت الزعيم الكبير فأمر بتعميمها حتى نكون من دول العالم المتحضر ونرقى لأن نصبح فى مستوى الرجال ذوى الحلل الصفراء , وقد استسلم الناس لذلك الأمر لأنهم كانوا مشغولون بقانون ضريبة الخراء الجديد والذى أدهش الجميع فى ذلك الوقت هو وقانون تحريم أكل الفول فكيف يمكن للمجتمع تقبل فكرة دفع ضريبة على خرائهم للدولة وهل كل مواطن مطالب بأن يحمل خراءه فى كيس ويلقيه فى الشارع ويجرى كالمجرمين متهربا من ضبطه والقبض عليه بتهمة التهرب من ضريبة الخراء وهل سيوافق القضاة على الحكم فى قضايا الخراء دون أن يثوروا .

المهم بعد جدال وشد وجذب ومظاهرات تم تطبيق قانون الخراء دون تحريم أكل الفول وذلك بعد أن استشهدوا بكوكب الأرض وأن الفول لا يمكن تحريم أكله داخل الكواكب بل وفى المجرات أيضا فكيف بتحريمه داخل ذنوبيا والمنطقة الزخياء .

أما ضريبة الخراء فقد كانت هناك كواكب تعممها بل وتطبقها المحاكم الجنائية المجرية على الدول المخالفة فلم يستطع الشعب إلا أن يتهرب منها عن طريق إلقاء الخراء فى الشوارع والمحيطات والبحار الجانبية .

فى النهاية كان الشعب الذنوبى لا يستخدم المنازل إلا فى النوم وخاصة أن ذلك اللون يكون ملتصق بالجدران من الخارج وسيكون ساكنا ولن يتبعنا إلى أى مكان .. واعترف أن أهالى ذنوبيا قد تأقلموا تدريجيا على ذلك اللون خاصة بعد أن اشترى الزعيم الكبير التلفاز الأصفر ذو الإريال الطويل , وقد انبهر الزعيم الكبير بذلك الجهاز الذى يتكلم وينقل صورا من كل مكان وهو ثابت فى مكانه حين رآه أول مرة فى بلاد الرجال ذوى الحلل الصفراء ( الرجال الصفر ) ـ وجائت تسميتهم بالرجال الصفر لأن لون خرائهم أصفر على عكس كل رجال الكوكب لون خرائهم بينك ـ فإشترى لنفسه خمسة أجهزة صفراء ووزعها على العلماء فى ذنوبيا لكى يدرسونها , وبعد انبهار العلماء بذلك التقدم التكنولوجى الذى وصل إليه الرجال الصفر , قرر الزعيم الكبير تعميم تلك التجربة على الشعب الذنوبى البسيط لكى يلحق بركب التقدم خاصة وأن ذلك الجهاز العبقرى سيكون متوافقا مع لون جدران منازل أهل القرية ومنزل الزعيم الأصفر .

وقد اندهش الجميع وفرحوا بذلك الإختراع كما كان متوقع مما جعلهم ينسون أو يتناسون مشكلة العدو اللدود داخل منطقة الزخياء , وتغلب الفرح الملهى اللذيذ على حزنهم لموتاهم , فتفاجئ الجميع بقيام دولة العدو دولة ( النجمة الزرقاء فى البياض الأسود ) .

تدريجيا بدء أهالى ذنوبيا يقومون بشراء التلفاز بأنفسهم من أرض الرجال ذوى الحلل الصفراء .. وحينما كان أحدهم هناك يشترى أصفرا جديدا وقع بصره على جهاز الثلاجة وكان أيضا لونه أصفر وأعجبته قدرته الفائقة على صنع مكعبات ثلج منعشة فى عطش الصيف وحره فإشتراه , وهكذا ,, انشر الأمر وشاع الخبر داخل جميع أنحاء ذنوبيا وأصبح بإمكان الجميع شراء الأجهزة الصفراء التى تتوافق مع ألوان الجدران والمنازل الصفراء خاصة وقد تبين للجميع كفاءتها العالية وعبقرية صانعيها وأصبحت ذنوبيا تعيش فى إطار حالة الأصفر العامة بل وأصبحت طقسا من طقوس المدينة فأصبت ذنوبيا تستورد من الأرض الصفراء ( الراديوهات الصفراء , والساعات الصفراء , والهواتف النقالة الصفراء , والمراوح الصفراء , والتكييفات الصفراء , والدراجات البخارية الصفراء و .. و,, ,و...و... ).

وفى صبيحة أحد الأيام فوجئ الجميع بأن الراديوهات الصفراء وأجهزة التلفاز الصفراء تذيع خبرا هاما وهو وفاة الزعيم الكبير , وقد نقلت الشاشات جنازة كبيرة بحجم الزعيم ملئتها الأثواب الصفراء الزاهية والسيارات الصفراء التى تشيع جثمان الزعيم الراحل الذى أوصى بالحكم من بعده إلى الرئيس ( الزرزور الطائر) رغم إعتراض (مالك الحزين) عليه خاصة بعد علمه بإستمراره فى سياسة الزعيم الكبير مما أدى الى أن يقوم الرئيس الزرزور بإقالة (مالك الحزين) وتجريده من اختصاصاته ورتبه الذنوبيه وحبس أتباعه ووحداته المؤسسه لدولة ذنوبيا وإيقاف مصانعه الذنوبية الوطنية والإعتماد الكلى على تطوير ذنوبيا من دول الرجال ذوى الحلل الصفراء .

قرر الرئيس الزرزور أن يشترى قطارا سريعا ومكيفا وأصفرا لأهل ذنوبيا , وكما هى العادة وكما حدث لكل شئ فى ذنوبيا أصبحت القطارات المكيفة لا غنى عنها لأهل ذنوبيا , ثم توالت الأشياء ,,, طائرات صفراء ,, قطارات أنفاق صفراء ,, سيارات صفراء ...إلخ ..إلخ .

وقد تطور الأمر لتصبح هناك مأكولات صفراء داخل ذنوبيا , كل الأطعمة والأشربة الصفراء تباع داخل ذنوبيا وبتصنيع الرجال ذوى الحلل الصفراء مئة بالمئة وإن تم تصنيعها داخل ذنوبيا بأيدى أبناء ذنوبيا ومن خيراتهم تكون حقوق التصنيع للبلدان التى ينتمى إليها الرجال ذوى الحلل الصفراء وبنسبة لا تقل عن الخمسين بالمئة .

وتطور الأمر أكثر فأكثر فأصبح هنالك مطاعم صفراء بتوكيلات صفراء وأجنية تملئ ربوع ذنوبيا من أدناها إلى أقصاها وأشخاص يرتدون الأصفر وأشخاص ينتمون إلى الأصفر ورجال من ذوى الحلل الصفراء داخل تلك المطاعم يديرونها ويعملون بها ويأكلون فيها .

ومع امتداد الأصفر فى ذنوبيا أصبح هنالك مصانع ومتاجر ومتاحف وسفارات وقنوات تلفاز ومعارض سيارات وأزياء ومسابقات وأسواق وشركات من كل الأنواع ومطاعم وصحف ومجلات وشركات انترنت دولى وكوكبى ومجرى ومطاعم ومدن جديدة وشواطئ و....و... و... والعديد والعديد من كل شئ أصفر أو ينتمى للرجال ذوى الحلل الصفراء .

عند هذا الحد كان ولابد لإدارة الكوكب ( البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى ) ومن ورائها دولة ذنوبيا وقيادتها أن تقوم بتعميم القانون الأصفر داخل ذنوبيا وكذلك المنطقة الخضراء (الزخياء) وذلك لحماية استثمارات الأصفر ورجاله وكذلك استثمارات قليلة للنجمة الزرقاء ورجالها وإعمال الرقابة على أهل ذنوبيا بما فيهم الرئيس الزرزور وذلك طالما أن كل أصفر فى ذنوبيا لا يقوم بإيذاء أى إنسان ومثل الملائكة , وأن من يقوم بكل الإيذاء والخراب هم أهل الأرض البيضاء التى بها دار العبادة المقدس والتى أخذها العدو ( النجمة الزرقاء فى البياض الأسود ) وذلك كما خطط له الرجال ذوى الحلل الصفراء منذ بداية الأمر .

بالفعل قد يقول الجميع أن ذلك كذب ووهم ولكن الدليل الواضح على ذلك أنه لا يستطيع شخص أو رئيس أو جماعة داخل ذنوبيا أوخارجها أو داخل المنطقة الخضراء أن يطرد العدو الأزرق إلا بعد موافقة دول الرجال ذوى الحلل الصفراء وكلما يأتى من يحاول محاربتهم يقف له ويمنعه الرجال ذوى الحلل الصفراء كما فعلوا مع صديقى (زوبع المنسى ) قبل أن يحولوه لجزء من النظام الأصفر حين قرر أن يأخذ قرارا عنتريا بمحاربة رجال النجمة الزرقاء ورجال الأصفر معا بعد أن تأثر بالمشهد الأخير فى فيلم يعرض على قنوات تلفاز كوكب الأرض اسمه < ولاد الإيه > يقول فيه الممثل وهو مغطى بالدماء بعد أن جمع مستندات تدين الخونة والفاسدين شئ عجيب يسمى شعرا يقول فيه فى حب وطنه :

على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء

أنا مصر عندى أرق وأجمل الأشياء

بحبها وهى مالكه الأرض شرق وغرب

بحبها وهى مرميه أسيرة حرب

بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

تأثر زوبع المنسى بالفيلم فجمع مستندات وصورا وأدلة تدين الفاسدين والخونه فى ذنوبيا وفى المنطقة الخضراء فأسره النظام بأوامر من الرجال ذوى الحلل الصفراء إلى الأبد فأصبح منسيا بعد تدميره وظل كل من يذكراسم زوبع يقرنه بالمنسى فصار ( زوبع المنسى ) .

سأحكى حكايتك فى يوم ما يا زوبع وأحكى عن كل الرجال الذين حملوا راية النضال فى ذنوبيا وماتوا وهم يحاولون ايصال الأدلة والصور والمستندات إلى .. إلى .. إلى زعيم المجرات الكوكبية وسيدة المحيطات الحمراء وبطل الألبسة القطنية المريحة , وإلى كل من يهمه الأمر .

ارقد فى سلام يا زوبع .. ارقد فى سلام يا منسى .

كان ما حدث لذوبع هو ما يحدث لكل أهل ذنوبيا المناضلين , حين علم الشعب ذلك أصبح الأمر واقعا بالتدريج وظهرت عصابات المافيا فى عهد الرئيس الزرزور والمافيا بعد عهد الرئيس الزرزور والتى سأحكى عنها وعن أقسامها وكيف سيطرت على شوارع ذنوبيا الخلفية فيما بعد , المهم هو أن رجال النجمة الزرقاء ورجال الأرض البيضاء أعدائهم والمناضلين فى المنطقة الخضراء أصبحوا سبب كل خراب ودمار وفساد فى الكوكب وسبب الدماء والحروب والإقتتال وذلك بفضل الجهاز الإعلامى الجبار لكوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى ويتبعه ذنوبيا وجهازها بالطبع , ومن الناحية الأخرى أصبح الرجال ذوى الحلل الصفراء ودولهم سبب كل خير وسلام وعدل بل وهم من يحاول الإصلاح بين الطرفين المتحاربين والذى كان الرجال ذوى الأصفر سبب حربهم فى الأصل حينما طردوهم من بلادهم ووعدوهم بدولة داخل المنطقة الخضراء التى صارت (الزخياء) فيما بعد .

وكل من يعارض هذه الحقيقة يعتبر من المخربين الواجب تدميرهم بشتى الصور واقتلاعهم من كل الأراضى الصفراء والخضراء والبيضاء والزرقاء والقرمزية وفقا للقانون العام الأصفر الأعلى لدول كوكب البسطرمة بالبيض والجبنة الرومى والذى له الحق فى التدخل والرقابة والإشراف على كل القوانين المحلية داخل الكوكب وكذلك الرقابة على المؤسسات والجيوش وأجهزة الدول المختلفة , واستمر هذا الحال لعقود متتالية وجاء عليه أجيال متعاقبة ولم يتغير أى شئ فى الكوكب .

كانت دور العبادة فى ذنوبيا هى المكان الوحيد البعيد عن كل شئ أصفر حتى عهد قريب قبل أن تظهر العفاريت بين الناس ويحل عقاب الرب على ابناء الكوكب ويستغل الرجال ذوى الحلل الصفراء هذا الأمر للتسلل بصورة أكبر بين الناس , ولهذا كان الناس يذهبون إلى دور العبادة ( بيوت الله ) .. كان الفرش ما يزال من الحصير , وقلة هم من يحبون التردد عليه بسبب سكينة خفية ودفء مقيم ولم تصل إليه كل تلك الصراعات فى الكوكب .

بعد فترة الإضطرابات التى كانت بعد انتهاء عهد الرئيس الزرزور وورود عدة رؤساء على ذنوبيا وعلى عدة دول فى المنطقة الزخياء وتغيرات حساسة فى كوكب البسطرمة وتدهور حالة الشعوب مع ما يسمى بفترة (الكومبو والعفرته الكوكبيه) والتى سأشرحها فيما بعد والتى انتهت بتولى الرئيس ( الجحش ) لرئاسة الدولة وكان من عاداته أن ينظر من أعلى مكان فيها ـ برج الحمام العالى الذى يحتضن بيض الزغاليل ـ , وحال نظره من أعلى البرج أبصر بناءا جميلا ذو عامود عال ومخالفا لكل ألوان بيوت ذنوبيا وحتى قصره الأصفر الجميل .

حين استشار حاشيته علم منهم أن دور العبادة فى ذنوبيا وفى المنطقة الخضراء لا تخضع لأى قانون أصفر أو رقابة صفراء من الداخل أو الخارج .

انتحى الجحش قليلا بمفرده وأخذ يفكر .. ويفكر .. ويفكر .. كيف يمكن أن تكون خطورة هذا البناء عليه وعلى ذنوبيا وعلى الكوكب وعلى الشعب ؟!

ولماذا لم ينخرط هذا البناء مع كل مبان القرية وأجهزتها وأهلها فى نفس النظام واللون والقانون الأصفر ؟!

وهل يترك هذا الأمر هكذا دون أن يضع له حدا ما ..... خاصة وأن .......؟!

فى الصباح جمع الرئيس الجحش كل نخبة أهل ذنوبيا وكبار علمائها ومفكريها والوزراء والوجهاء والرؤوس وشرح وجهت نظره العبقرية لهم والتى قرر الجمع بعد سماعها بأن صاحب الفكرة هو الشخص الوحيد القادر على إقناع الشعب بها .

أمر الرئيس بالتحضير لإلقاء خطاب إعلامى على شعب ذنوبيا العظيم فأغرقت الدعاية كل أنحاء ذنوبيا وكل بلدان الكوكب وظهر الرئيس الجحش من خلف شاشات التلفاز بوجهه المبتسم وموجها كلامه للناس مبينا أنه اتخذ قرارا يجب أن يساعده كل أهالى ذنوبيا والكوكب على تنفيذه بل ويشاركون فى التنفيذ وهو دهان جدران دور العبادة باللون الأصفر .

أخذ يضيف أن التطور والحياة الصفراء تقتضى أن يكون كل شئ أصفر .. كان يتحدث بإخلاص وعمق وبخلفية حياتية صفراء كاملة وبيئة تشبعت بكل ما هو أصفر مقتبسا عبارات وفقرات من الكتب السماوية والكتب الصفراء ومتسلحا بنبل خفى وقوة جلية لا يخالطها أى ناب ثعلبى مفترس .. ومعتمدا عل الخلفية المعيشية الصفراء داخل ذنوبيا والكوكب وفقدان أهلها لذاكرة التاريخ الأصفر السرى وكذلك فقدانهم لهويتهم الذنوبية الحرة وتعاليم دينهم القويم وكأن ذلك الأمر واقع حتمى لا شوب فيه ...

حينها كنت أجلس فى المقهى وأنظر إلى وجوه الناس وأفواههم المفتوحة والأذهان السارحة فى ذلك المصير الحتمى , والمعنى الخفى المتسلل وراء الكلام ... فهتفت بصوت عال فى الجميع :

ـ يجب علينا مقاطعة كل الأجهزة الصفراء

ولكن الصمت كان مطبقا على الجميع ولم أجد ردا حتى الآن .